الميزان في تفسير القرآن

سورة الطلاق

1 - 7

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) وَالَّلائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَالَّلائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5) أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6) لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)

بيان

تتضمن السورة بيان كليات من أحكام الطلاق تعقبه عظة و إنذار و تبشير، و السورة مدنية بشهادة سياقها.

قوله تعالى: «يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن و أحصوا العدة» إلى آخر الآية، بدىء الخطاب بنداء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنه الرسول إلى الأمة و إمامهم فيصلح لخطابه أن يشمله و أتباعه من أمته و هذا شائع في الاستعمال يخص مقدم القوم و سيدهم بالنداء و يخاطب بما يعمه و قومه فلا موجب لقول بعضهم: إن التقدير يا أيها النبي قل لأمتك: إذا طلقتم النساء إلخ.

و قوله: «إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن» أي إذا أردتم أن تطلقوا النساء و أشرفتم على ذلك إذ لا معنى لتحقق الطلاق بعد وقوع الطلاق فهو كقوله: «إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا» الآية: المائدة: 6.

و العدة قعود المرأة عن الزوج حتى تنقضي المدة المرتبة شرعا، و المراد بتطليقهن لعدتهن تطليقهن لزمان عدتهن بحيث يأخذ زمان العدة من يوم تحقق التطليقة و ذلك بأن تكون التطليقة في طهر لا مواقعة فيه حتى تنقضي أقراؤها.

و قوله: «و أحصوا العدة» أي عدوا الأقراء التي تعتد بها، و هو الاحتفاظ عليها لأن للمرأة فيها حق النفقة و السكنى على زوجها و للزوج فيها حق الرجوع.

و قوله: «و اتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن» ظاهر السياق كون «لا تخرجوهن» إلخ، بدلا من «اتقوا الله ربكم» و يفيد ذلك تأكيد النهي في «لا تخرجوهن» و المراد ببيوتهن البيوت التي كن يسكنه قبل الطلاق أضيفت إليهن بعناية السكنى.

و قوله: «و لا يخرجن» نهي عن خروجهن أنفسهن كما كان سابقه نهيا عن إخراجهن.

و قوله: «إلا أن يأتين بفاحشة مبينة» أي ظاهرة كالزنا و البذاء و إيذاء أهلها كما في الروايات المأثورة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام).

و قوله: «و تلك حدود الله و من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه» أي الأحكام المذكورة للطلاق حدود الله حد بها أعمالكم و من يتعد و يتجاوز حدود الله بأن لم يراعها و خالفها فقد ظلم نفسه أي عصى ربه.

و قوله: «لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا» أي أمرا يقضي بتغير الحال و تبدل رأي الزوج في طلاقها بأن يميل إلا الالتيام و يظهر في قلبه محبة حب الرجوع إلى سابق الحال.

قوله تعالى: «فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف - إلى قوله - و اليوم الآخر» المراد من بلوغهن أجلهن اقترابهن من آخر زمان العدة و إشرافهن عليه، و المراد بإمساكهن الرجوع على سبيل الاستعارة، و بمفارقتهن تركهن ليخرجن من العدة و يبن.

و المراد بكون الإمساك بمعروف حسن الصحبة و رعاية ما جعل الله لهن من الحقوق، و بكون فراقهن بمعروف أيضا استرام الحقوق الشرعية فالتقدير بمعروف من الشرع.

و قوله: «و أشهدوا ذوي عدل منكم» أي أشهدوا على الطلاق رجلين منكم صاحبي عدل، و قد مر توضيح معنى العدل في تفسير سورة البقرة.

و قوله: «و أقيموا الشهادة لله» تقدم توضيحه في تفسير سورة البقرة.

و قوله: «ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر» أي ما مر من الأمر بتقوى الله و إقامة الشهادة لله و النهي عن تعدي حدود الله أو مجموع ما مر من الأحكام و البعث إلى التقوى و الإخلاص في الشهادة و الزجر عن تعدي حدود الله يوعظ به المؤمنون ليركنوا إلى الحق و ينقلعوا عن الباطل، و فيه إيهام أن في الإعراض عن هذه الأحكام أو تغييرها خروجا من الإيمان.

قوله تعالى: «و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب - إلى قوله - قدرا» أي «و من يتق الله» و يتورع عن محارمه و لم يتعد حدوده و احترم لشرائعه فعمل بها «يجعل له مخرجا» من مضائق مشكلات الحياة فإن شريعته فطرية يهدي بها الله الإنسان إلى ما تستدعيه فطرته و تقضي به حاجته و تضمن سعادته في الدنيا و الآخرة «و يرزقه» من الزوج و المال و كل ما يفتقر إليه في طيب عيشه و زكاة حياته «من حيث لا يحتسب» و لا يتوقع فلا يخف المؤمن أنه إن اتقى الله و احترم حدوده حرم طيب الحياة و ابتلي بضنك المعيشة فإن الرزق مضمون و الله على ما ضمنه قادر.

«و من يتوكل على الله» باعتزاله عن نفسه فيما تهواه و تأمر به و إيثاره إرادة الله سبحانه على إرادة نفسه و العمل الذي يريده الله على العمل الذي تهواه و تريده نفسه و بعبارة أخرى تدين بدين الله و عمل بأحكامه «فهو حسبه» أي كافيه فيما يريده من طيب العيش و يتمناه من السعادة بفطرته لا بواهمته الكاذبة.

و ذلك أنه تعالى هو السبب الأعلى الذي تنتهي إليه الأسباب فإذا أراد شيئا فعله و بلغ ما أراده من غير أن تتغير إرادته فهو القائل: «ما يبدل القول لدي»: ق: 29، أو يحول بينه و بين ما أراده مانع فهو القائل: «و الله يحكم لا معقب لحكمه»: الرعد: 41، و أما الأسباب الآخر التي يتشبث بها الإنسان في رفع حوائجه فإنما تملك من السببية ما ملكها الله سبحانه و هو المالك لما ملكها و القادر على ما عليه أقدرها و لها من الفعل مقدار ما أذن الله فيه.

فالله كاف لمن توكل عليه لا غيره «إن الله بالغ أمره» يبلغ حيث أراد، و هو القائل: «إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون» «قد جعل الله لكل شيء قدرا» فما من شيء إلا له قدر مقدور و حد محدود و الله سبحانه لا يحده حد و لا يحيط به شيء و هو المحيط بكل شيء.

هذا هو معنى الآية بالنظر إلى وقوعها في سياق آيات الطلاق و انطباقها على المورد.

و أما بالنظر إلى إطلاقها في نفسها مع الغض عن السياق الذي وقعت فيه فقوله: «و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب» مفاده أن من اتقى الله بحقيقة معنى تقواه و لا يتم ذلك إلا بمعرفته تعالى بأسمائه و صفاته ثم تورعه و اتقائه بالاجتناب عن المحرمات و تحرز ترك الواجبات خالصا لوجهه الكريم، و لازمه أن لا يريد إلا ما يريده الله من فعل أو ترك، و لازمه أن يستهلك إرادته في إرادة الله فلا يصدر عنه فعل إلا عن إرادة من الله.

و لازم ذلك أن يرى نفسه و ما يترتب عليها من سمة أو فعل ملكا طلقا لله سبحانه يتصرف فيها بما يشاء و هو ولاية الله يتولى أمر عبده فلا يبقى له من الملك بحقيقة معناه شيء إلا ما ملكه الله سبحانه و هو المالك لما ملكه و الملك لله عز اسمه.

و عند ذلك ينجيه الله من مضيق الوهم و سجن الشرك بالتعلق بالأسباب الظاهرية «و يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب» أما الرزق المادي فإنه كان يرى ذلك من عطايا سعيه و الأسباب الظاهرية التي كان يطمئن إليها و ما كان يعلم من الأسباب إلا قليلا من كثير كقبس من نار يضيء للإنسان في الليلة الظلماء موضع قدمه و هو غافل عما وراءه، لكن الله سبحانه محيط بالأسباب و هو الناظم لها ينظمها كيف يشاء و يأذن في تأثير ما لا علم له به من خباياها.

و أما الرزق المعنوي الذي هو حقيقة الرزق الذي يعيش به النفس الإنسانية و تبقى فهو مما لم يكن يحتسبه و لا يحتسب طريق وروده عليه.

و بالجملة هو سبحانه يتولى أمره و يخرجه من مهبط الهلاك و يرزقه من حيث لا يحتسب، و لا يفقد من كماله و النعم التي كان يرجو نيلها بسعيه شيئا لأنه توكل على الله و فوض إلى ربه ما كان لنفسه «و من يتوكل على الله فهو حسبه» دون سائر الأسباب الظاهرية التي تخطىء تارة و تصيب أخرى «إن الله بالغ أمره» لأن الأمور محدودة محاطة له تعالى و «قد جعل الله لكل شيء قدرا» فهو غير خارج عن قدره الذي قدره به.

و هذا نصيب الصالحين من الأولياء من هذه الآية.

و أما من هو دونهم من المؤمنين المتوسطين من أهل التقوى النازلة درجاتهم من حيث المعرفة و العمل فلهم من ولاية الله ما يلائم حالهم في إخلاص الإيمان و العمل الصالح و قد قال تعالى و أطلق: «و الله ولي المؤمنين»: آل عمران: 68، و قال و أطلق: «و الله ولي المتقين»: الجاثية: 19.

و تدينهم بدين الحق و هي سنة الحياة و ورودهم و صدورهم في الأمور عن إرادته تعالى هو تقوى الله و التوكل عليه بوضع إرادته تعالى موضع إرادة أنفسهم فينالون من سعادة الحياة بحسبه و يجعل الله لهم مخرجا و يرزقهم من حيث لا يحتسبون، و حسبهم ربهم فهو بالغ أمره و قد جعل لكل شيء قدرا.

و عليهم من حرمان السعادة قدر ما دب من الشرك في إيمانهم و عملهم و قد قال تعالى: «و ما يؤمن أكثرهم بالله إلا و هم مشركون»: يوسف: 106، و قال و أطلق: «إن الله لا يغفر أن يشرك به»: النساء: 48.

و قال: «و إني لغفار لمن تاب و آمن و عمل صالحا»: طه: 82، أي لمن تاب من الشرك و قال و أطلق: «و استغفروا الله إن الله غفور رحيم»: المزمل: 20.

فلا يرقى المؤمن إلى درجة من درجات ولاية الله إلا بالتوبة من خفي الشرك الذي دونها.

و الآية من غرر الآيات القرآنية و للمفسرين في جملها كلمات متشتتة أضربنا عنها.

قوله تعالى: «و اللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر» المراد بالارتياب الشك في يأسهن من المحيض أ هو لكبر أم لعارض، فالمعنى: و اللائي يئسن من المحيض من نسائكم و شككتم في أمر يأسهن أ هو لبلوغ سنهن سن اليأس أم لعارض فعدتهن ثلاثة أشهر.

و قوله: «و اللائي لم يحضن» عطف على قوله: «و اللائي يئسن» إلخ، و المعنى: و اللائي لم يحضن و هو في سن من تحيض فعدتهن ثلاثة أشهر.

و قوله: «و أولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن» أي منتهى زمان عدتهن وضع الحمل.

و قوله: «و من يتق الله يجعل له من أمره يسرا» أي يسهل عليه ما يستقبله من الشدائد و المشاق، و قيل: المراد أنه يسهل عليه أمور الدنيا و الآخرة إما بفرج عاجل أو عوض آجل.

قوله تعالى: «ذلك أمر الله أنزله إليكم» أي ما بينه في الآيات المتقدمة حكم الله أنزله إليكم، و في قوله: «و من يتق الله يكفر عنه سيئاته و يعظم له أجرا» دلالة على أن اتباع الأوامر من التقوى كاجتناب المحرمات و لعله باعتبار أن امتثال الأمر يلازم اجتناب تركه.

و تكفير السيئات سترها بالمغفرة، و المراد بالسيئات المعاصي الصغيرة فيبقى للتقوى كبائر المعاصي، و يكون مجموع قوله: «و من يتق الله يكفر عنه سيئاته و يعظم له أجرا» في معنى قوله: «إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم و ندخلكم مدخلا كريما»: النساء: 31، و من الآيتين يظهر أن المراد بالمحارم في قوله (عليه السلام) في تعريف التقوى: أنها الورع عن محارم الله المعاصي الكبيرة.

و يظهر أيضا أن مخالفة ما أنزله الله من الأمر في الطلاق و العدة من الكبائر إذ التقوى المذكورة في الآية تشمل ما ذكر من أمر الطلاق و العدة لا محالة فهو غير السيئات المكفرة و إلا اختل معنى الآية.

قوله تعالى: «أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم» إلى آخر الآية، قال في المفردات،: و قوله تعالى: «من وجدكم» أي تمكنكم و قدر غناكم، و يعبر عن الغنى بالوجدان و الجدة، و قد حكي فيه الوجد و الوجد و الوجد - بالحركات الثلاث في الواو - انتهى.

و ضمير «هن» للمطلقات على ما يؤيده السياق، و المعنى: اسكنوا المطلقات من حيث سكنتم من المساكن على قدر تمكنكم و غناكم على الموسر قدره و على المعسر قدره.

و قوله: «و لا تضاروهن لتضيقوا عليهن» أي لا توجهوا إليهن ضررا يشق عليهن تحمله من حيث السكنى و الكسوة و النفقة لتوردوا الضيق و الحرج عليهن.

و قوله: «و إن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن» معناه ظاهر.

و قوله: «فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن» فلهن عليكم أجر الرضاعة و هو من نفقة الولد التي على الوالد.

و قوله: «و ائتمروا بينكم بمعروف» الائتمار بشيء تشاور القوم فيه بحيث يأمر بعضهم فيه بعضا، و هو خطاب للرجل و المرأة أي تشاوروا في أمر الولد و توافقوا في معروف من العادة بحيث لا يتضرر الرجل بزيادة الأجر الذي ينفقه و لا المرأة بنقيصته و لا الولد بنقص مدة الرضاع إلى غير ذلك.

و قوله: «و إن تعاسرتم فسترضع له أخرى» أي و إن أراد كل منكم من الآخر ما فيه عسر و اختلفتم فسترضع الولد امرأة أخرى أجنبية غير والدته أي فليسترضع الوالد غير والدة الصبي.

قوله تعالى: «لينفق ذو سعة من سعته» الإنفاق من سعة هو التوسعة في الإنفاق و هو أمر لأهل السعة بأن يوسعوا على نسائهم المطلقات المرضعات أولادهم.

و قوله: «و من قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله» قدر الرزق ضيقه، و الإيتاء الإعطاء، و المعنى: و من ضاق عليه رزقه و كان فقيرا لا يتمكن من التوسع في الإنفاق فلينفق على قدر ما أعطاه الله من المال أي فلينفق على قدر تمكنه.

و قوله: «لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها» أي لا يكلف الله نفسا إلا بقدر ما أعطاها من القدرة فالجملة تنفي الحرج من التكاليف الإلهية و منها إنفاق المطلقة.

و قوله: «سيجعل الله بعد عسر يسرا» فيه بشرى و تسلية.

بحث روائي

في الدر المنثور، أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت سورة النساء القصرى بعد التي في البقرة بسبع سنين.

أقول: سورة النساء القصرى هي سورة الطلاق.

و فيه، أخرج مالك و الشافعي و عبد الرزاق في المصنف و أحمد و عبد بن حميد و البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة و ابن جرير و ابن المنذر و أبو يعلى و ابن مردويه و البيهقي في سننه عن ابن عمر أنه طلق امرأته و هي حائض فذكر ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتغيظ فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال: ليراجعها ثم يمسها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء، و قرأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «يا أيها النبي إذا طلقتم النساء - فطلقوهن في قبل عدتهن».

أقول: قوله: «في قبل عدتهن» قراءة ابن عمر و ما في المصحف «لعدتهن».

و فيه، أخرج ابن المنذر عن ابن سيرين في قوله: «لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا» قال: في حفصة بنت عمر طلقها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واحدة فنزلت «يا أيها النبي إذا طلقتم النساء إلى قوله يحدث بعد ذلك أمرا» قال: فراجعها.

و في الكافي، بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: كل طلاق لا يكون على السنة أو على العدة فليس بشيء. قال زرارة فقلت لأبي جعفر (عليه السلام): فسر لي طلاق السنة و طلاق العدة فقال: أما طلاق السنة فإذا أراد الرجل أن يطلق امرأته فينتظر بها حتى تطمث و تطهر فإذا خرجت من طمثها طلقها تطليقة من غير جماع و يشهد شاهدين على ذلك ثم يدعها حتى تطمث طمثين فتنقضي عدتها بثلاث حيض و قد بانت منه و يكون خاطبا من الخطاب إن شاءت تزوجته و إن شاءت لم تتزوجه، و عليه نفقتها و السكنى ما دامت في مدتها، و هما يتوارثان حتى تنقضي العدة. قال: و أما طلاق العدة الذي قال الله تعالى: «فطلقوهن لعدتهن و أحصوا العدة» فإذا أراد الرجل منكم أن يطلق امرأته طلاق العدة فلينتظر بها حتى تحيض و تخرج من حيضتها ثم يطلقها تطليقة من غير جماع و يشهد شاهدين عدلين و يراجعها من يومه ذلك إن أحب أو بعد ذلك بأيام قبل أن تحيض و يشهد على رجعتها و يواقعها و تكون معه حتى تحيض فإذا حاضت و خرجت من حيضها طلقها تطليقة أخرى من غير جماع و يشهد على ذلك ثم يراجعها أيضا متى شاء قبل أن تحيض و يشهد على رجعتها و يواقعها و تكون معه إلى أن تحيض الحيضة الثالثة فإذا خرجت من حيضتها الثالثة طلقها التطليقة الثالثة بغير جماع و يشهد على ذلك فإذا فعل ذلك فقد بانت منه و لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره. قيل له: فإن كانت ممن لا تحيض؟ قال: مثل هذه تطلق طلاق السنة.

و في قرب الإسناد، بإسناده عن صفوان قال: سمعت يعني أبا عبد الله: و جاء رجل فسأله فقال: إني طلقت امرأتي ثلاثا في مجلس فقال: ليس بشيء. ثم قال: أ ما تقرأ كتاب الله تعالى «يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن - و أحصوا العدة و اتقوا الله ربكم - لا تخرجوهن من بيوتهن و لا يخرجن - إلا أن يأتين بفاحشة مبينة». ثم قال: أ لا تدري «لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا» ثم قال: كلما خالف كتاب الله و السنة فهو يرد إلى كتاب الله و السنة.

و في تفسير القمي،: في معنى قوله: «لا تخرجوهن من بيوتهن و لا يخرجن - إلا أن يأتين بفاحشة مبينة» قال: لا يحل لرجل أن يخرج امرأته إذا طلقها و كان له عليها رجعة من بيته و هي لا تحل لها أن تخرج من بيته إلا أن يأتين بفاحشة مبينة. و معنى الفاحشة أن تزني أو تسرق على الرجل، و من الفاحشة أيضا السلاطة على زوجها فإن فعلت شيئا من ذلك حل له أن يخرجها.

و في الكافي، بإسناده عن وهب بن حفص عن أحدهما (عليهما السلام) في المطلقة تعتد في بيتها، و تظهر له زينتها لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.

أقول: و في هذه المعاني و معاني جمل الآيتين روايات أخرى عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام).

يتبع...

العودة إلى القائمة

التالي