الميزان في تفسير القرآن

سورة الفتح

1 - 7

تابع
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (2) وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3) هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7)

و روى الزهري و عروة بن الزبير و المسور بن مخرمة قالوا: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من المدينة في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الهدي و أشعره و أحرم بالعمرة و بعث بين يديه عينا له من خزاعة يخبره عن قريش. و سار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى إذا كان بغدير الأشطاط قريبا من عسفان أتاه عينه الخزاعي فقال: إني تركت كعب بن لؤي و عامر بن لؤي قد جمعوا لك الأحابيش و جمعوا جموعا و هم قاتلوك أو مقاتلوك و صادوك عن البيت فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): روحوا فراحوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين. فسار حتى إذا كان بالثنية بركت راحلته فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): ما خلأت القصواء و لكن حبسها حابس الفيل. ثم قال: و الله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ثم زجرها فوثبت به. قال: فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء إنما يتبرضه الناس تبرضا فشكوا إليه العطش فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه في الماء فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه. فبينا هم كذلك إذ جاءهم بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة و كانوا عيبة نصح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أهل تهامة فقال: إني تركت كعب بن لؤي و عامر بن لؤي و معهم العوذ المطافيل و هم مقاتلوك و صادوك عن البيت فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنا لم نجىء لقتال أحد و إنا جئنا معتمرين، و إن قريشا قد نهكتهم الحرب و أضرت بهم فإن شاءوا ماددتهم مدة و يخلو بيني و بين الناس، و إن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا و إلا فقد جموا و إن أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو لينفذ الله تعالى أمره، فقال بديل: سأبلغهم ما تقول. فانطلق حتى أتى قريشا فقال: إنا قد جئناكم من عند هذا الرجل و أنه يقول: كذا و كذا فقام عروة بن مسعود الثقفي فقال: إنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها و دعوني آته فقالوا: ائته فأتاه فجعل يكلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نحوا من قوله لبديل. فقال عروة عند ذلك: أي محمد أ رأيت إن استأصلت قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك؟ و إن تكن الأخرى فوالله إني لأرى وجوها و أرى أشابا من الناس خلقاء أن يفروا و يدعوك فقال له أبو بكر: امصص بظر اللات أ نحن نفر عنه و ندعه؟ فقال: من ذا؟ قال: أبو بكر. قال: أما و الذي نفسي بيده لو لا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك. قال: و جعل يكلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و كلما كلمه أخذ بلحيته و المغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و معه السيف و عليه المغفر فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ضرب يده بنعل السيف و قال: أخر يدك عن لحية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل أن لا ترجع إليك، فقال: من هذا؟ قال المغيرة بن شعبة. قال: أي غدر أ و لست أسعى في غدرتك. قال: و كان المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم و أخذ أموالهم. ثم جاء فأسلم فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أما الإسلام فقد قبلنا، و أما المال فإنه مال غدر لا حاجة لنا فيه. ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أمرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابتدروا أمره، و إذا توضأ ثاروا يقتتلون على وضوئه، و إذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، و ما يحدون إليه النظر تعظيما له. قال: فرجع عروة إلى أصحابه و قال: أي قوم و الله لقد وفدت على الملوك و وفدت على قيصر و كسرى و النجاشي و الله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد إذا أمرهم ابتدروا أمره، و إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، و إذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، و ما يحدون إليه النظر تعظيما له، و أنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها. فقال رجل من بني كنانة: دعوني آته فقالوا: ائته فلما أشرف عليهم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): هذا فلان و هو من قوم يعظمون البدن فابعثوها فبعثت له و استقبله القوم يلبون فلما رأى ذلك قال: سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت. فقام رجل يقال له مكرز بن حفص فقال: دعوني آته فقالوا: ائته فلما أشرف عليهم قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): هذا مكرز و هو رجل فاجر فجعل يكلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): قد سهل عليكم أمركم فقال: اكتب بيننا و بينك كتابا. فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علي بن أبي طالب فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو؟ و لكن اكتب باسمك اللهم فقال المسلمون: و الله لا نكتب إلا بسم الله الرحمن الرحيم فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): اكتب باسمك اللهم هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله فقال سهيل: لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت و لا قاتلناك و لكن اكتب محمد بن عبد الله فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إني لرسول الله و إن كذبتموني ثم قال لعلي امح رسول الله فقال: يا رسول الله إن يدي لا تنطلق بمحو اسمك من النبوة فأخذه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فمحاه. ثم قال: اكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله و سهيل بن عمرو و اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس و يكف بعضهم عن بعض و على أنه من قدم مكة من أصحاب محمد حاجا أو معتمرا أو يبتغي من فضل الله فهو آمن على دمه و ماله و من قدم المدينة من قريش مجتازا إلى مصر أو إلى الشام فهو آمن على دمه و ماله، و إن بيننا عيبة مكفوفة، و أنه لا إسلال و لا إغلال، و أنه من أحب أن يدخل في عقد محمد و عهده دخل فيه، و من أحب أن يدخل في عقد قريش و عهده دخل فيه. فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن في عقد محمد و عهده، و تواثبت بنو بكر فقالوا: نحن في عقد قريش و عهدهم. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): على أن تخلو بيننا و بين البيت فنطوف فقال سهيل: و الله ما تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة و لكن ذلك من العام المقبل. فكتب فقال سهيل: على أنه لا يأتيك منا رجل و إن كان على دينك إلا رددته إلينا و من جاءنا ممن معك لم نرده عليك فقال المسلمون سبحان الله كيف يرد إلى المشركين و قد جاء مسلما؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من جاءهم منا فأبعده الله، و من جاءنا منهم رددناه إليهم فلو علم الله الإسلام من قلبه جعل له مخرجا. فقال سهيل: و على أنك ترجع عنا عامك هذا فلا تدخل علينا مكة فإذا كان عام قابل خرجنا عنها لك فدخلتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثا و لا تدخلها بالسلاح إلا السيوف في القراب و سلاح الراكب، و على أن هذا الهدي حيث ما حبسناه محله لا تقدمه علينا فقال: نحن نسوق و أنتم تردون. فبينا هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده و قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل: هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إنا لم نقض بالكتاب بعد. قال: و الله إذا لا أصالحك على شيء أبدا فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): فأجره لي فقال: ما أنا بمجيره لك قال: بلى فافعل، قال ما أنا بفاعل. قال مكرز: بلى قد أجرناه، قال أبو جندل بن سهيل: معاشر المسلمين أرد إلى المشركين و قد جئت مسلما أ لا ترون ما قد لقيت؟ و كان قد عذب عذابا شديدا. فقال عمر بن الخطاب: و الله ما شككت مذ أسلمت إلا يومئذ فأتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت: أ لست نبي الله؟ فقال: بلى. قلت: أ لسنا على الحق و عدونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: إني رسول الله و لست أعصيه و هو ناصري قلت: أ و لست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت و نطوف حقا؟ قال: بلى أ فأخبرتك أن نأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنك تأتيه و تطوف به فنحر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بدنة فدعا بحالقه فحلق شعره ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا - إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات» الآية. قال محمد بن إسحاق بن يسار: و حدثني بريدة بن سفيان عن محمد بن كعب: أن كاتب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الصلح كان علي بن أبي طالب فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اكتب «هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو» فجعل علي يتلكأ و يأبى أن يكتب إلا محمد رسول الله فقال رسول الله: فإن لك مثلها تعطيها و أنت مضطهد، فكتب ما قالوا. ثم رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة فجاءه أبو بصير رجل من قريش و هو مسلم فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا: العهد الذي جعلت لنا فدفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة فنزلا يأكلان من تمر لهم قال أبو بصير لأحد الرجلين: و إني لأرى سيفك جيدا جدا فاستله فقال: أجل إنه لجيد و جربت به ثم جربت فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه فأمكنه منه فضربه به حتى برد و فر الآخر حتى بلغ المدينة فدخل المسجد يعدو فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين رآه: لقد رأى هذا ذعرا، فلما انتهى إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: قتل و الله صاحبي و إني لمقتول. قال: فجاء أبو بصير فقال: يا رسول الله قد أوفى الله ذمتك و رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر. و انفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير فلا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت عليه عصابة. قال: فوالله لا يسمعون بعير لقريش قد خرجت إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم و أخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تناشده الله و الرحم لما أرسل إليهم فمن أتاه منهم فهو آمن فأرسل (صلى الله عليه وآله وسلم) إليهم فأتوه.

و في تفسير القمي، في حديث طويل أوردنا صدره في أول البحث قال: و قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه بعد ما كتب الكتاب: انحروا بدنكم و احلقوا رءوسكم فامتنعوا و قالوا: كيف ننحر و نحلق و لم نطف بالبيت و لم نسع بين الصفا و المروة فاغتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و شكا ذلك إلى أم سلمة فقالت: يا رسول الله انحر أنت و احلق فنحر رسول الله و حلق فنحر القوم على حيث يقين و شك و ارتياب:. أقول: و هو مروي في روايات أخر من طرق الشيعة و أهل السنة. و هذا الذي رواه الطبرسي مأخوذ مع تلخيص ما عما رواه البخاري و أبو داود و النسائي عن مروان و المسور:.

و في الدر المنثور، أخرج البيهقي عن عروة قال: أقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الحديبية راجعا فقال رجل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): و الله ما هذا بفتح لقد صددنا عن البيت و صد هدينا و عكف رسول الله بالحديبية و رد رجلين من المسلمين خرجا. فبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قول رجال من أصحابه: إن هذا ليس بفتح فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): بئس الكلام. هذا أعظم الفتح لقد رضي المشركون أن يدفعوكم بالراح عن بلادهم و يسألوكم القضية و يرغبون إليكم في الإياب و قد كرهوا منكم ما كرهوا، و قد أظفركم الله عليهم و ردكم سالمين غانمين مأجورين فهذا أعظم الفتح. أ نسيتم يوم أحد إذ تصعدون و لا تلوون على أحد و أنا أدعوكم في أخراكم؟ أ نسيتم يوم الأحزاب إذ جاءوكم من فوقكم و من أسفل منكم و إذ زاغت الأبصار و بلغت القلوب الحناجر و تظنون بالله الظنونا؟. قال المسلمون: صدق الله و رسوله هو أعظم الفتوح و الله يا نبي الله ما فكرنا فيما فكرت فيه و لأنت أعلم بالله و بالأمور منا فأنزل الله سورة الفتح.

أقول: و الأحاديث في قصة الحديبية كثيرة و ما أوردناه طرف منها.

و في تفسير القمي، بإسناده إلى عمر بن يزيد بياع السابري قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) قول الله في كتابه: «ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر» قال: ما كان له ذنب و لا هم بذنب و لكن الله حمله ذنوب شيعته ثم غفر لها.

و في العيون، في مجلس الرضا مع المأمون بإسناده إلى ابن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون و عنده الرضا (عليه السلام) فقال المأمون: يا ابن رسول الله أ ليس من قولك إن الأنبياء معصومون؟ قال: بلى، إلى أن قال قال: فأخبرني عن قول الله عز و جل: «ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر». قال الرضا (عليه السلام): لم يكن أحد عند مشركي مكة أعظم ذنبا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة و ستين صنما فلما جاءهم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم و عظم، و قالوا أ جعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب، و انطلق الملأ منهم أن امشوا و اصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق فلما فتح الله على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) مكة قال: يا محمد إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر عند مشركي مكة بدعائك إلى توحيد الله فيما تقدم و ما تأخر لأن مشركي مكة أسلم بعضهم، و خرج بعضهم عن مكة، و من بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد إذا دعا الناس إليه فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفورا بظهوره عليهم. فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن.

و في تفسير العياشي، عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم» حتى نزلت سورة الفتح فلم يعد إلى ذلك الكلام.

أقول: و هذا المعنى مروي من طرق أهل السنة أيضا، و الحديث لا يخلو من شيء لأنه مبنى على كون المراد بالذنب في الآية هو المعصية المنافية للعصمة.

و في الكافي، بإسناده إلى جميل قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: «هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين» قال: الإيمان قال عز من قائل: «ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم».

أقول: «ظاهر الرواية أنه (عليه السلام) أخذ قوله تعالى في الآية: «ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم» تفسيرا للسكينة، و في معنى الرواية روايات أخر.

و فيه، بإسناده عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: أيها العالم أخبرني أي الأعمال أفضل عند الله؟ قال: ما لا يقبل الله شيئا إلا به. قلت: و ما هو؟ قال: الإيمان بالله الذي لا إله إلا هو أعلى الأعمال درجة و أشرفها منزلة و أسناها حظا. قال: قلت: أ لا تخبرني عن الإيمان أ قول هو و عمل أم قول بلا عمل؟ قال: الإيمان عمل كله و القول بعض ذلك العمل بفرض من الله بين في كتابه واضح نوره ثابتة حجته يشهد له به الكتاب و يدعوه إليه. قال: قلت: صف لي جعلت فداك حتى أفهمه قال: الإيمان حالات و درجات و صفات و منازل فمنه التام المنتهي تمامه و منه الناقص المبين نقصانه و منه الراجح الزائد رجحانه. قلت: إن الإيمان ليتم و ينقص و يزيد؟ قال: نعم. قلت: كيف ذلك؟ قال: لأن الله تبارك و تعالى فرض الإيمان على جوارح ابن آدم و قسمه عليها و فرقه فيها فليس من جوارحه جارحة إلا و قد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به أختها فمن لقي الله عز و جل حافظا لجوارحه موفيا كل جارحة من جوارحه ما فرض الله عز و جل عليها لقي الله مستكملا لإيمانه و هو من أهل الجنة، و من خان في شيء منها أو تعدى ما أمر الله عز و جل فيها لقي الله عز و جل ناقص الإيمان. قلت: و قد فهمت نقصان الإيمان و تمامه فمن أين جاءت زيادته؟ فقال: قول الله عز و جل: «و إذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول - أيكم زادته هذه إيمانا - فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا و هم يستبشرون - و أما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم» و قال: «نحن نقص عليك نبأهم بالحق - إنهم فتية آمنوا بربهم و زدناهم هدى». و لو كان كله واحدا لا زيادة فيه و لا نقصان لم يكن لأحد منهم فضل على الآخر و لاستوت النعم فيه، و لاستوى الناس و بطل التفضيل و لكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنة، و بالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله، و بالنقصان دخل المفرطون النار.

العودة إلى القائمة

التالي