الميزان في تفسير القرآن

سورة النساء

23 - 28

تابع
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ الَّلاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ الَّلاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ الَّلاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24) وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (25) يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا (28)

و من هنا يظهر أيضا فساد ما ذكره بعضهم في قوله تعالى في ذيل الآية: «و أن تصبروا خير لكم» أن المعنى و صبركم عن نكاح الإماء مع العفة خير لكم من نكاحهن لما فيه من الذل و المهانة و الابتذال، هذا، فإن قوله: «بعضكم من بعض» ينافي ذلك قطعا.

قوله تعالى: «فانكحوهن بإذن أهلهن» إلى قوله: «أخدان» المراد بالمحصنات العفائف فإن ذوات البعولة لا يقع عليهن نكاح، و المراد بالمسافحات ما يقابل متخذات الأخدان، الأخدان جمع خدن بكسر الخاء و هو الصديق، يستوي فيه المذكر و المؤنث و المفرد و الجمع، و إنما أتى به بصيغة الجمع للدلالة على الكثرة نصا، فمن يأخذ صديقا للفحشاء لا يقنع بالواحد و الاثنين فيه لأن النفس لا تقف على حد إذا أطيعت فيما تهواه.

و بالنظر إلى هذه المقابلة قال من قال: إن المراد بالسفاح الزنا جهرا و باتخاذ الخدن الزنا سرا، و قد كان اتخاذ الخدن متداولا عند العرب حتى عند الأحرار و الحرائر لا يعاب به مع ذمهم زنا العلن لغير الإماء.

فقوله «فانكحوهن بإذن أهلهن» إرشاد إلى نكاح الفتيات مشروطا بأن يكون بإذن مواليهن فإن زمام أمرهن إنما هو بيد الموالي لا غير، و إنما عبر عنهم بقوله «أهلهن» جريا على ما يقتضيه قوله قبل: «بعضكم من بعض» فالفتاة واحدة من أهل بيت مولاها و مولاها أهلها.

و المراد بإتيانهن أجورهن بالمعروف توفيتهن مهور نكاحهن و إتيان الأجور إياهن إعطاؤها مواليهن، و قد أرشد إلى الإعطاء بالمعروف عن غير بخس و مماطلة و إيذاء.

قوله تعالى: «فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب» قرىء أحصن بضم الهمزة بالبناء للمفعول و بفتح الهمزة بالبناء للفاعل، و هو الأرجح.

الإحصان في الآية إن كان هو إحصان الازدواج كان أخذه في الشرط المجرد كون مورد الكلام في ما تقدم ازدواجهن، و ذلك أن الأمة تعذب نصف عذاب الحرة إذا زنت سواء كانت محصنة بالازدواج أو لا من غير أن يؤثر الإحصان فيها شيئا زائدا.

و أما إذا كان إحصان الإسلام كما قيل - و يؤيده قراءة فتح الهمزة - تم المعنى من غير مئونة زائدة، و كان عليهن إذا زنين نصف عذاب الحرائر سواء كن ذوات بعولة أو لا.

و المراد بالعذاب هو الجلد دون الرجم لأن الرجم لا يقبل الانتصاف و هو الشاهد على أن المراد بالمحصنات الحرائر غير ذوات الأزواج المذكورة في صدر الآية.

و اللام للعهد فمعنى الآية بالجملة أن الفتيات المؤمنات إذا أتين بفاحشة و هو الزنا فعليهن نصف حد المحصنات غير ذوات الأزواج، و هو جلد خمسين سوطا.

و من الممكن أن يكون المراد بالإحصان إحصان العفة، و تقريره أن الجواري يومئذ لم يكن لهن الاشتغال بكل ما تهواه أنفسهن من الأعمال بما لهن من اتباع أوامر مواليهن و خاصة في الفاحشة و الفجور و كانت الفاحشة فيهن - لو اتفقت - بأمر من مواليهن في سبيل الاستغلال بهن و الاستدرار من عرضهن كما يشعر به النهي الوارد في قوله تعالى: و لا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا: «النور: 33» فالتماسهن الفجور و اشتغالهن بالفحشاء باتخاذها عادة و مكسبا كان فيما كان بأمر مواليهن من دون أن يسع لهن الاستنكاف و التمرد، و إذا لم يكرههن الموالي على الفجور فالمؤمنات منهن على ظاهر تقوى الإسلام، و عفة الإيمان، و حينئذ إن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب، و هو قوله تعالى: فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة «إلخ».

و من هنا يظهر أن لا مفهوم لهذه الشرطية على هذا المعنى و ذلك أنهن إذا لم يحصن و لم يعففن كن مكرهات من قبل مواليهن مؤتمرات لأمرهم كما لا مفهوم لقوله تعالى: و لا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا: «النور: - 33» حيث إنهن إن لم يردن التحصن لم يكن موضوع لإكراههن من قبل الموالي لرضاهن بذلك فافهم.

قوله تعالى: «ذلك لمن خشي العنت منكم» العنت الجهد و الشدة و الهلاك، و كان المراد به الزنا الذي هو نتيجة وقوع الإنسان في مشقة الشبق و جهد شهوة النكاح و فيه هلاك الإنسان.

و الإشارة على ما قيل: إلى نكاح الجواري المذكور في الآية، و عليه فمعنى قوله «و أن تصبروا خير لكم» أن تصبروا عن نكاح الإماء أو عن الزنا خير لكم.

و يمكن أن يكون ذلك إشارة إلى وجوب نكاح الإماء أو وجوب مطلق النكاح لو استفيد شيء منهما من سابق سياق الآية و الله أعلم.

و كيف كان فكون الصبر خيرا إن كان المراد هو الصبر عن نكاح الإماء إنما هو لما فيه من حقوق مواليهن و في أولادهن على ما فصل في الفقه، و إن كان المراد الصبر عن الزنا إنما هو لما في الصبر من تهذيب النفس و تهيئة ملكة التقوى فيها بترك اتباع هواها في الزنا من غير ازدواج أو معه، و الله غفور رحيم يمحو بمغفرته آثار خطرات السوء عن نفوس المتقين من عباده و يرحمهم برحمته.

قوله تعالى: «يريد الله ليبين لكم» إلى آخر الآية، بيان و إشارة إلى غاية تشريع ما سبق من الأحكام في الآيات الثلاث و المصالح التي تترتب عليها إذا عمل بها فقوله: يريد الله ليبين لكم أي أحكام دينه مما فيه صلاح دنياكم و عقباكم، و ما في ذلك من المعارف و الحكم و على هذا فمعمول قوله: يبين محذوف للدلالة على فخامة أمره و عظم شأنه، و يمكن أن يكون قوله: يبين لكم، و قوله: و يهديكم متنازعين في قوله، سنن الذين.

قوله تعالى: «و يهديكم سنن الذين من قبلكم» أي طرق حياة السابقين من الأنبياء و الأمم الصالحة، الجارين في الحياة الدنيا على مرضاة الله، الحائزين به سعادة الدنيا و الآخرة، و المراد بسننهم على هذا المعنى سننهم في الجملة لا سننهم بتفاصيلها و جميع خصوصياتها فلا يرد عليه أن من أحكامهم ما تنسخه هذه الآيات بعينها كازدواج الإخوة بالأخوات في سنة آدم، و الجمع بين الأختين: في سنة يعقوب (عليه السلام)، و قد جمع (عليه السلام) بين الأختين ليا أم يهودا و راحيل أم يوسف على ما في بعض الأخبار، هذا.

و هنا معنى آخر قيل به، و هو أن المراد الهداية إلى سنن جميع السابقين سواء كانوا على الحق أو على الباطل، يعني أنا بينا لكم جميع السنن السابقة من حق و باطل لتكونوا على بصيرة فتأخذوا بالحق منها و تدعوا الباطل.

و هذا معنى لا بأس به غير أن الهداية في القرآن غير مستعملة في هذا المعنى، و إنما استعمل فيما استعمل في الإيصال إلى الحق أو إرادة الحق كقوله: إنك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء: «القصص: 56» و قوله: إنا هديناه السبيل إما شاكرا و إما كفورا: «الإنسان: 3» و الأوفق بمذاق القرآن أن يعبر عن أمثال هذه المعاني بلفظ التبيين و القصص و نحو ذلك.

نعم لو جعل قوله يبين و قوله: و يهديكم متنازعين في قوله: «سنن الذين من قبلكم» و قوله: و يتوب عليكم أيضا راجعا إليه، و آل المعنى إلى أن الله يبين لكم سنن الذين من قبلكم، و يهديكم إلى الحق منها، و يتوب عليكم فيما ابتليتم به من باطلها كان له وجه فإن الآيات السابقة فيها ذكر من سنن السابقين و الحق و الباطل منها، و التوبة على ما قد سلف من السنن الباطلة.

قوله تعالى: «و يتوب عليكم و الله عليم حكيم» التوبة المذكورة هو رجوعه إلى عبده بالنعمة و الرحمة، و تشريع الشريعة، و بيان الحقيقة، و الهداية إلى طريق الاستقامة كل ذلك توبة منه سبحانه كما أن قبول توبة العبد و رفع آثار المعصية توبة.

و تذييل الكلام بقوله: و الله عليم حكيم ليكون راجعا إلى جميع فقرات الآية، و لو كان المراد رجوعه إلى آخر الفقرات لكان الأنسب ظاهرا أن يقال: و الله غفور رحيم.

قوله تعالى: «و الله يريد أن يتوب عليكم و يريد الذين» إلخ، كان تكرار ذكر توبته للمؤمنين للدلالة على أن قوله: «و يريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما» إنما يقابل من الفقرات الثلاث في الآية السابقة الفقرة الأخيرة فقط، إذ لو ضم قوله: و يريد الذين «إلخ» إلى الآية السابقة من غير تكرار قوله: و الله يريد «إلخ» أفاد المقابلة في معنى جميع الفقرات و لغا المعنى قطعا.

و المراد بالميل العظيم هتك هذه الحدود الإلهية المذكورة في الآيات بإتيان المحارم، و إلغاء تأثير الأنساب و الأسباب، و استباحة الزنا و المنع عن الأخذ بما سنة الله من السنة القويمة.

قوله تعالى: «يريد الله أن يخفف عنكم و خلق الإنسان ضعيفا» كون الإنسان ضعيفا لما ركب الله فيه القوى الشهوية التي لا تزال تنازعه في ما تتعلق به من المشتهيات، و تبعثه إلى غشيانها فمن الله عليهم بتشريع حلية ما تنكسر به سورة شهوتهم بتجويز النكاح بما يرتفع به غائلة الحرج حيث قال: «و أحل لكم ما وراء ذلكم» و هو النكاح و ملك اليمين فهداهم بذلك سنن الذين من قبلهم، و زادهم تخفيفا منه لهم لتشريع نكاح المتعة إذ ليس معه كلفة النكاح و ما يستتبعه من أثقال الوظائف من صداق و نفقة و غير ذلك.

و ربما قيل: إن المراد به إباحة نكاح الإماء عند الضرورة تخفيفا.

و فيه: أن نكاح الإماء عند الضرورة كان معمولا به بينهم قبل الإسلام على كراهة و ذم، و الذي ابتدعته هذه الآيات هو التسبب إلى نفي هذه الكراهة و النفرة ببيان أن الأمة كالحرة إنسان لا تفاوت بينهما، و أن الرقية لا توجب سقوط صاحبها عن لياقة المصاحبة و المعاشرة.

و ظاهر الآيات - بما لا ينكر - أن الخطاب فيها متوجه إلى المؤمنين من هذه الأمة فالتخفيف المذكور في الآية تخفيف على هذه الأمة، و المراد به ما ذكرناه.

و على هذا فتعليل التخفيف بقوله: «و خلق الإنسان ضعيفا» مع كونه وصفا مشتركا بين جميع الأمم - هذه الأمة و الذين من قبلهم - و كون التخفيف مخصوصا بهذه الأمة إنما هو من قبيل ذكر المقتضي العام و السكوت عما يتم به في تأثيره فكأنه قيل: إنا خففنا عنكم لكون الضعف العام في نوع الإنسان سببا مقتضيا للتخفيف لو لا المانع لكن لم تزل الموانع تمنع عن فعلية التخفيف و انبساط الرحمة في سائر الأمم حتى وصلت النوبة إليكم فعمتكم الرحمة، و ظهرت فيكم آثاره فبرز حكم السبب المذكور و شرع فيكم حكم التخفيف و قد حرمت الأمم السابقة من ذلك كما يدل عليه قوله: ربنا و لا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا: «البقرة: 286»، و قوله: هو اجتباكم و ما جعل عليكم في الدين من حرج: «الحج: 78».

و من هنا يظهر أن النكتة في هذا التعليل العام بيان ظهور تمام النعم الإنسانية في هذه الأمة.

بحث روائي

عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب، و عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): الرضاع لحمة كلحمة النسب.

و في الدر المنثور، أخرج مالك و عبد الرزاق عن عائشة قالت: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات فنسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هن فيما يقرأ من القرآن.

أقول: و روي فيه عنها ما يقرب منه بطرق أخرى، و هي من روايات التحريف مطروحة بمخالفة الكتاب.

و فيه أخرج عبد الرزاق و عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر و البيهقي في سننه من طريقين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إذا نكح الرجل المرأة فلا يحل له أن يتزوج أمها دخل بالإبنة أو لم يدخل، و إذا تزوج الأم فلم يدخل بها ثم طلقها فإن شاء تزوج الابنة.

أقول: و هذا المعنى مروي من طرق الشيعة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، و هو مذهبهم و هو المستفاد من الكتاب كما مر في البيان المتقدم و قد روي من طرق أهل السنة عن علي (عليه السلام): أن أم الزوجة لا بأس بنكاحها قبل الدخول بالبنت، و أنها بمنزلة الربيبة، و أن الربيبة إذا لم تكن في حجر زوج أمها لم يحرم عليه نكاحها، و هذه أمور يدفعها المروي عنهم (عليهم السلام) من طرق الشيعة.

و في الكافي، بإسناده عن منصور بن حازم قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فأتاه رجل فسأله عن رجل تزوج امرأة فماتت قبل أن يدخل بها أ يتزوج بأمها؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): قد فعله رجل منا فلم ير به بأسا، فقلت جعلت فداك ما تفتخر الشيعة إلا بقضاء علي (عليه السلام) في هذا في المشيخة التي أفتاه ابن مسعود أنه لا بأس به بذلك. ثم أتى عليا (عليه السلام) فسأله فقال له علي (عليه السلام): من أين يأخذها؟ فقال من قول الله عز و جل: و ربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن - فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم، فقال علي (عليه السلام): إن هذه مستثناة و هذه مرسلة، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) للرجل: أما تسمع ما يروي هذا عن علي (عليه السلام)؟. فلما قمت ندمت و قلت: أي شيء صنعت؟ يقول: قد فعله رجل منا و لم ير به بأسا، و أقول أنا: قضى علي (عليه السلام) فيها! فلقيته بعد ذلك و قلت: جعلت فداك مسألة الرجل إنما كان الذي قلت كان زلة مني فما تقول فيها؟ فقال: يا شيخ تخبرني أن عليا (عليه السلام) قضى فيها، و تسألني ما تقول فيها؟.

أقول: و قصة قضائه (عليه السلام) في فتوى ابن مسعود على ما رواه في الدر المنثور، عن سنن البيهقي و غيره: أن رجلا من بني شمخ تزوج امرأة و لم يدخل بها ثم رأى أمها فأعجبته فاستفتى ابن مسعود فأمره أن يفارقها ثم يتزوج أمها ففعل و ولدت له أولادا، ثم أتى ابن مسعود المدينة فقيل له لا تصلح فلما رجع إلى الكوفة قال للرجل: أنها عليك حرام ففارقها.

لكن لم ينسب القول فيه إلى علي (عليه السلام) بل ذكر: أنه سأل عنه أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، و في لفظ: أنه سأل عنه عمر و في بعض الروايات: فأخبر أنه ليس كما قال، و أن الشرط في الربائب.

و في الإستبصار، بإسناده عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه: أن عليا (عليه السلام) كان يقول: الربائب عليكم حرام مع الأمهات اللاتي دخلتم بهن في الحجور و غير الحجور سواء، و الأمهات مبهمات دخل بالبنات أم لم يدخل، فحرموا و أبهموا ما أبهم الله.

أقول: و قد عزي إليه (عليه السلام) في بعض الروايات من طرق أهل السنة اشتراط الحجور في حرمة الربائب لكن الروايات المأثورة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تدفعه، و هو الموافق لما يستفاد من الآية كما تقدم.

و المبهمات من البهمة و هي كون الشيء ذا لون واحد لا يختلط به لون آخر و لا يختلف في لونه سمي به من طبقات النساء المحرمة من كانت حرمة نكاحها مرسلة غير مشروطة، و هي الأمهات و البنات و الأخوات و العمات و الخالات و بنات الأخ و بنات الأخت و ما كان من الرضاعة، و أمهات النساء، و حلائل الأبناء.

و فيه، بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل تكون له الجارية فيصيب منها، أ له أن ينكح ابنتها؟ قال: لا هي كما قال الله تعالى: و ربائبكم اللاتي في حجوركم.

و في تفسير العياشي، عن أبي عون قال سمعت أبا صالح الحنفي قال: قال علي (عليه السلام) ذات يوم: سلوني، فقال ابن الكوا أخبرني عن بنت الأخت من الرضاعة، و عن المملوكتين الأختين، فقال: إنك لذاهب في التيه سل عما يعنيك أو ينفعك، فقال ابن الكوا إنما نسألك عما لا نعلم و أما ما نعلم فلا نسألك عنه، ثم قال: أما الأختان المملوكتان أحلتهما آية و حرمتهما آية، و لا أحله و لا أحرمه، و لا أفعله أنا و لا واحد من أهل بيتي.

و في التهذيب، بإسناده عن معمر بن يحيى بن سالم قال: سألنا أبا جعفر (عليه السلام) عما يروي الناس عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن أشياء لم يكن يأمر بها و لا ينهى إلا نفسه و ولده فقلت: كيف يكون ذلك؟ قال: قد أحلتها آية و حرمتها آية أخرى، فقلنا: الأول أن يكون إحداهما نسخت الأخرى أم هما محكمتان ينبغي أن يعمل بهما؟ فقال: قد بين لهم إذ نهى نفسه و ولده، قلنا: ما منعه أن يبين ذلك للناس؟ قال: خشي أن لا يطاع، فلو أن أمير المؤمنين ثبتت قدماه أقام كتاب الله كله و الحق كله.

أقول: و الرواية المنقولة عنه (عليه السلام) هي التي نقلت عنه (عليه السلام) من طرق أهل السنة كما رواه في الدر المنثور، عن البيهقي و غيره عن علي بن أبي طالب قال في الأختين المملوكتين، أحلتهما آية، و حرمتهما آية، و لا آمر و لا أنهى، و لا أحل و لا أحرم، و لا أفعله أنا و لا أهل بيتي.

و روي فيه، أيضا عن قبيصة بن ذؤيب: أن رجلا سأله (عليه السلام) عن ذلك فقال: لو كان إلي من الأمر شيء ثم وجدت أحدا فعل ذلك لجعلته نكالا.

و في التهذيب، بإسناده عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا كانت عند الإنسان الأختان المملوكتان فنكح إحداهما ثم بدا له في الثانية فليس ينبغي له أن ينكح الأخرى حتى تخرج الأولى من ملكه يهبها أو يبيعها، فإن وهبها لولده يجزيه.

يتبع...

العودة إلى القائمة

التالي