الميزان في تفسير القرآن

سورة النور

35 - 46

تابع
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ (40) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الأَبْصَارِ (44) وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (46)

و منها: أن الآية تنسب التسبيح و العلم به إلى من في السماوات و الأرض فيعم المؤمن و الكافر، و يظهر بذلك أن هناك نورين: نور عام يعم الأشياء و المؤمن و الكافر فيه سواء، و إلى ذلك تشير آيات كآية الذر: «و أشهدهم على أنفسهم أ لست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين»: الأعراف: 172، و قوله: «فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد»: ق: 22 إلى غير ذلك، و نور خاص و هو الذي تذكره الآيات و يختص بأوليائه من المؤمنين.

فالنور الذي ينور تعالى به خلقه كالرحمة التي يرحمهم بها قسمان: عام و خاص و قد قال تعالى: «و رحمتي وسعت كل شيء»: الأعراف: 156، و قوله: «فأما الذين آمنوا و عملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته»: الجاثية: 30، و قد جمع بينهما في قوله: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و آمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته و يجعل لكم نورا»: الحديد: 28، و ما ذكر فيه من النور هو النور على نور بحذاء الثاني من كفلي الرحمة.

و قوله: «و الله عليم بما يفعلون» و من فعلهم تسبيحهم له سبحانه، و هذا التسبيح و إن كان في بعض المراحل هو نفس وجودهم لكن صدق اسم التسبيح يجوز أن يعد فعلا لهم بهذه العناية.

و في ذكر علمه تعالى بما يفعلون عقيب ذكر تسبيحهم ترغيب للمؤمنين و شكر لهم بأن ربهم يعلم ذلك منهم و سيجزيهم جزاء حسنا، و إيذان بتمام الحجة على الكافرين، فإن من مراتب علمه تعالى كتب الأعمال و الكتاب المبين التي تثبت فيها أعمالهم فيثبت فيها تسبيحهم بوجودهم ثم إنكارهم بألسنتهم.

قوله تعالى: «و لله ملك السماوات و الأرض و إلى الله المصير» سياق الآية و قد وقعت بين قوله: «أ لم تر أن الله يسبح له» إلخ، و هو احتجاج على شمول نوره العام لكل شيء، و بين قوله: «أ لم تر أن الله يزجي» إلخ، و ما يتعقبه و هو احتجاج على اختصاص النور الخاص، يعطي أنها كالمتوسط بين القبيلين أعني بين الأمرين يحتج بها على كليهما، فملكه تعالى لكل شيء و كونه مصيرا لها هو دليل على تعميمه نوره العام و تخصيصه نوره الخاص يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد.

فقوله: «و لله ملك السماوات و الأرض» يخص الملك و يقصره فيه تعالى فله أن يفعل ما يشاء و يحكم بما يريد لا يسأل عما يفعل و هم يسألون، و لازم قصر الملك فيه كونه هو المصير لكل شيء، و إذ كان لا مليك إلا هو و إليه مرجع كل شيء و مصيره فله أن يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد.

و من هنا يظهر أن المراد - و الله أعلم - بقوله: «و إلى الله المصير» مرجعيته تعالى في الأمور دون المعاد نظير قوله: «ألا إلى الله تصير الأمور»: الشورى: 53.

قوله تعالى: «أ لم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله» إلى آخر الآية.

الإزجاء هو الدفع، و الركام المتراكم بعضه على بعض، و الودق هو المطر، و الخلال جمع الخلل و هو الفرجة بين الشيئين.

و الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعنوان أنه سامع فيشمل كل سامع، و المعنى: أ لم تر أنت و كل من يرى أن الله يدفع بالرياح سحابا متفرقا ثم يؤلف بينه ثم يجعله متراكما بعضه على بعض فترى المطر يخرج من خلله و فرجه فينزل على الأرض.

و قوله: «و ينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء و يصرفه عمن يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار» السماء جهة العلو، و قوله: «من جبال فيها» بيان للسماء، و الجبال جمع جبل و هو معروف، و قوله: «من برد» بيان للجبال، و البرد قطعات الجمد النازل من السماء، و كونه جبالا فيها كناية عن كثرته و تراكمه، و السنا بالقصر الضوء.

و الكلام معطوف على قوله: «يزجي»، و المعنى: أ لم تر أن الله ينزل من السماء من البرد المتراكم فيها كالجبال فيصيب به من يشاء فيفسد المزارع و البساتين و ربما قتل النفوس و المواشي و يصرفه عمن يشاء فلا يتضررون به يقرب ضوء برقه من أن يذهب بالأبصار.

و الآية - على ما يعطيه السياق - مسوقة لتعليل ما تقدم من اختصاصه المؤمنين بنوره، و المعنى: أن الأمر في ذلك إلى مشيته تعالى كما ترى أنه إذا شاء نزل من السماء مطرا فيه منافع الناس لنفوسهم و مواشيهم و مزارعهم و بساتينهم، و إذا شاء نزل بردا فيصيب به من يشاء و يصرفه عمن يشاء.

قوله تعالى: «يقلب الله الليل و النهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار» بيان آخر لرجوع الأمر إلى مشيته تعالى فقط.

و تقليب الليل و النهار تصريفهما بتبديل أحدهما من الآخر، و معنى الآية ظاهر.

قوله تعالى: «و الله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه و منهم من يمشي على رجلين و منهم من يمشي على أربع» بيان آخر لرجوع الأمر إلى مشيته تعالى محضا حيث يخلق كل دابة من ماء ثم تختلف حالهم في المشي فمنهم من يمشي على بطنه كالحيات و الديدان، و منهم من يمشي على رجلين كالأناسي و الطيور و منهم من يمشي على أربع كالبهائم و السباع، و اقتصر سبحانه على هذه الأنواع الثلاثة - و فيهم غير ذلك - إيجازا لحصول الغرض بهذا المقدار.

و قوله: «يخلق الله ما يشاء» تعليل لما تقدم من اختلاف الدواب، مع وحدة المادة التي خلقت منها يبين أن الأمر إلى مشية الله محضا فله أن يعمم فيضا من فيوضه

على جميع خلقه كالنور العام، و الرحمة العامة و له أن يختص بفيض من فيوضه بعضا من خلقه دون بعض كالنور الخاص و الرحمة الخاصة.

و قوله: «إن الله على كل شيء قدير» تعليل لقوله: «يخلق الله ما يشاء» فإن إطلاق القدرة على كل شيء يستوجب أن لا يتوقف شيء من الأشياء في كينونته على أمر وراء مشيته و إلا كانت قدرته عليه مشروطة بحصول ذلك الأمر و هذا خلف.

و هذا باب من التوحيد دقيق سيتضح بعض الاتضاح إن شاء الله بما في البحث الآتي.

بحث فلسفي

إنا لا نشك في أن ما نجده من الموجودات الممكنة معلولة منتهية إلى الواجب تعالى و أن كثيرا منها - و خاصة في الماديات - تتوقف في وجودها على شروط لا تحقق لها بدونها كالإنسان الذي هو ابن فإن لوجوده توقفا على وجود الوالدين و على شرائط أخرى كثيرة زمانية و مكانية، و إذ كان من الضروري كون كل مما يتوقف عليه جزء من علته التامة كان الواجب تعالى على هذا جزء علته التامة لا علة تامة وحدها.

نعم هو بالنسبة إلى مجموع العالم علة تامة إذ لا يتوقف على شيء غيره و كذا الصادر الأول الذي تتبعه بقية أجزاء المجموع، و أما سائر أجزاء العالم فإنه تعالى جزء علته التامة ضرورة توقفه على ما هو قبله من العلل و ما هو معه من الشرائط و المعدات.

هذا إذا اعتبرنا كل واحد من الأجزاء بحياله ثم نسبنا وحده إلى الواجب تعالى.

و هاهنا نظر آخر أدق و هو أن الارتباط الوجودي الذي لا سبيل إلى إنكاره بين كل شيء و بين علله الممكنة و شروطه و معداته يقضي بنوع من الاتحاد و الاتصال بينها فالواحد من الأجزاء ليس مطلقا منفصلا بل هو في وجوده المتعين مقيد بجميع ما يرتبط به متصل الهوية بغيرها.

فالإنسان الابن الذي كنا نعتبره في المثال المتقدم بالنظر السابق موجودا مستقلا مطلقا فنجده متوقفا على علل و شروط كثيرة و الواجب تعالى أحدها يعود بحسب هذه النظرة هوية مقيدة بجميع ما كان يعتبر توقفه عليه من العلل و الشرائط غير الواجب

تعالى فحقيقة زيد مثلا هو الإنسان ابن فلان و فلانة المتولد في زمان كذا و مكان كذا المتقدم عليه كذا و كذا المقارن لوجوده كذا و كذا من الممكنات.

فهذه هو حقيقة زيد مثلا و من الضروري أن ما حقيقته ذلك لا تتوقف على شيء غير الواجب فالواجب هو علته التامة التي لا توقف له على غيره، و لا حاجة له إلى غير مشيته، و قدرته تعالى بالنسبة إليه مطلقة غير مشروطة و لا مقيدة، و هو قوله تعالى: «يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير.

قوله تعالى: «لقد أنزلنا آيات مبينات و الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم» يريد آية النور و ما يتلوها المبينة لصفة نوره تعالى و الصراط المستقيم سبيله التي لا سبيل للغضب و الضلال إلى من اهتدى إليها كما قال: «اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضالين»: الحمد: 7، و قد تقدم الكلام فيه في تفسير سورة الحمد.

و تذييل الآية بقوله: «و الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم» هو الموجب لعدم تقييد قوله: «لقد أنزلنا آيات مبينات» بلفظة إليكم بخلاف قوله قبل آيات: «لقد أنزلنا إليكم آيات مبينات و مثلا من الذين خلوا من قبلكم و موعظة للمتقين».

إذ لو قيل: لقد أنزلنا إليكم آيات مبينات و الله يهدي.

تبادر إلى الذهن أن البيان اللفظي هداية إلى الصراط المستقيم و أن المخاطبين عامة مهديون إلى الصراط المستقيم و فيهم المنافق و الذين في قلوبهم مرض و الله العالم.

بحث روائي

في التوحيد، بإسناده عن العباس بن هلال قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: «الله نور السماوات و الأرض» فقال: هاد لأهل السماوات و هاد لأهل الأرض.

و في رواية البرقي: هدى من في السماوات و هدى من في الأرض.

أقول إذا كان المراد بالهداية الهداية الخاصة و هي الهداية إلى السعادة الدينية

كان من التفسير بمرتبة من المعنى، و إن كان المراد بها الهداية العامة و هي إيصال كل شيء إلى كماله انطبق على ما تقدم.

و في الكافي، بإسناده عن إسحاق بن جرير قال: سألتني امرأة أن أدخلها على أبي عبد الله (عليه السلام) فاستأذنت لها فأذن لها فدخلت و معها مولاة لها فقالت له: يا أبا عبد الله قول الله: «زيتونة لا شرقية و لا غربية» ما عنى بهذا؟ فقال لها: أيتها المرأة إن الله لم يضرب الأمثال للشجر إنما ضرب الأمثال لبني آدم.

و في تفسير القمي، بإسناده عن طلحة بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليه السلام): في هذه الآية «الله نور السماوات و الأرض» قال: بدأ بنور نفسه «مثل نوره» مثل هداه في قلب المؤمن «كمشكوة فيها مصباح» و المصباح جوف المؤمن و القنديل قلبه، و المصباح النور الذي جعله الله في قلبه. «يوقد من شجرة مباركة» قال: الشجرة المؤمن «زيتونة لا شرقية و لا غربية» قال: على سواد الجبل لا غربية أي لا شرق لها، و لا شرقية أي لا غرب لها إذا طلعت الشمس طلعت عليها و إذا غربت غربت عليها «يكاد زيتها يضيء» يكاد النور الذي في قلبه يضيء و إن لم يتكلم. «نور على نور» فريضة على فريضة، و سنة على سنة «يهدي الله لنوره من يشاء» يهدي الله لفرائضه و سننه من يشاء «و يضرب الله الأمثال للناس» فهذا مثل ضربه الله للمؤمن. ثم قال: فالمؤمن يتقلب في خمسة من النور: مدخله نور، و مخرجه نور، و علمه نور، و كلامه نور، و مصيره يوم القيامة إلى الجنة نور. قلت لجعفر (عليه السلام): إنهم يقولون: مثل نور الرب. قال: سبحان الله ليس لله مثل، قال الله: «فلا تضربوا لله الأمثال».

أقول: الحديث يؤيد ما تقدم في تفسير الآية، و قد اكتفى (عليه السلام) في تفسير بعض فقرات الآية بذكر بعض المصاديق كالذي ذكره في ذيل قوله: «يكاد زيتها يضيء» و قوله: «نور على نور».

و أما قوله: «سبحان الله ليس لله مثل فإنما ينفي به أن يكون المثل مثلا للنور

الذي هو اسمه تعالى المحمول عليه فكونه مثلا له تعالى يؤدي إلى الحلول أو الانقلاب تعالى عن ذلك بل هو مثل لنوره المفاض على السماوات و الأرض، و أما الضمير في قوله: «مثل نوره» فلا ضير في رجوعه إليه تعالى مع الاحتفاظ على المعنى الصحيح.

و في التوحيد، و قد روي عن الصادق (عليه السلام): أنه سئل عن قول الله عز و جل: «الله نور السماوات و الأرض - مثل نوره كمشكوة فيها مصباح» فقال: هو مثل ضربه الله لنا فالنبي و الأئمة (صلى الله عليه وآله وسلم) من دلالات الله و آياته التي يهتدى بها إلى التوحيد و مصالح الدين و شرائع الإسلام و السنن و الفرائض، و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.

أقول: الرواية من قبيل الإشارة إلى بعض المصاديق و هو من أفضل المصاديق و هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و الطاهرون من أهل بيته (عليهم السلام) و إلا فالآية تعم بظاهرها غيرهم من الأنبياء (عليهم السلام) و الأوصياء و الأولياء.

نعم ليست الآية بعامة لجميع المؤمنين لأخذها في وصفهم صفات لا تعم الجميع كقوله: «رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله» إلخ.

و قد وردت عدة من الأخبار من طرق الشيعة في تطبيق مفردات الآية على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أهل بيته (عليهم السلام) و هي من التطبيق دون التفسير، و من الدليل على ذلك اختلافها في نحو التطبيق كرواية الكليني في روضة الكافي، بإسناده عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) و فيها: أن المشكاة قلب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، و المصباح النور الذي فيه العلم، و الزجاجة علي أو قلبه، و الشجرة المباركة الزيتونة التي لا شرقية و لا غربية إبراهيم (عليه السلام) ما كان يهوديا و لا نصرانيا، و قوله: «يكاد زيتها يضيء» إلخ، يكاد أولادهم أن يتكلموا بالنبوة و إن لم ينزل عليهم ملك.

و ما رواه في التوحيد، بإسناده إلى عيسى بن راشد عن الباقر (عليه السلام) و فيه: أن المشكاة نور العلم في صدر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، و الزجاجة صدر علي «يكاد زيتها يضيء و لو لم تمسسه نار» يكاد العالم من آل محمد يتكلم بالعلم قبل أن يسأل «نور على نور» إمام مؤيد بنور العلم و الحكمة في إثر الإمام من آل محمد.

و ما في الكافي، بإسناده عن صالح بن سهل الهمداني عن الصادق (عليه السلام) و فيه: أن المشكاة فاطمة (عليها السلام)، و المصباح الحسن (عليه السلام)، و الزجاجة الحسين (عليه السلام)،

و الشجرة المباركة إبراهيم (عليه السلام)، و لا شرقية و لا غربية ما كان يهوديا و لا نصرانيا، و نور على نور إمام بعد إمام، و يهدي الله لنوره من يشاء يهدي الله للأئمة (عليهم السلام) من يشاء و في الدر المنثور، أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): في قوله: «زيتونة لا شرقية و لا غربية» قال: قلب إبراهيم لا يهودي و لا نصراني.

أقول: و هو من قبيل ذكر بعض المصاديق، و قد ورد مثله من طرق الشيعة عن بعض أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كما تقدم.

و فيه، أخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك و بريدة قالا: قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الآية «في بيوت أذن الله أن ترفع» فقام إليه رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول الله؟ قال: بيوت الأنبياء. فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا البيت منها لبيت علي و فاطمة؟ قال: نعم من أفاضلها:. أقول: و رواه في المجمع، عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) مرسلا، و روى هذا المعنى القمي في تفسيره بإسناده عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) و لفظه: قال: هي بيوت الأنبياء و بيت علي (عليه السلام) منها.

و هو على أي حال من قبيل ذكر بعض المصاديق على ما تقدم.

و في نهج البلاغة،: من كلام له (عليه السلام) عند تلاوته «رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله» و إن للذكر لأهلا أخذوه من الدنيا بدلا فلم يشغلهم تجارة و لا بيع عنه يقطعون به أيام الحياة، و يهتفون بالزواجر عن محارم الله في أسماع الغافلين، و يأمرون بالقسط و يأتمرون به و ينهون عن المنكر و ينتهون عنه. كأنما قطعوا الدنيا إلى الآخرة و هم فيها فشاهدوا ما وراء ذلك فكأنما اطلعوا غيوب أهل البرزخ في طول الإقامة فيه، و حققت القيامة عليهم عذابها فكشفوا غطاء ذلك لأهل الدنيا حتى كأنهم يرون ما لا يرى الناس و يسمعون ما لا يسمعون.

و في المجمع،: في قوله تعالى: «رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع»: و روي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام): أنهم قوم إذا حضرت الصلاة تركوا التجارة و انطلقوا إلى الصلاة و هم أعظم أجرا ممن لم يتجر.

أقول: أي لم يتجر و اشتغل بذكر الله كما في روايات أخر.

و في الدر المنثور، عن ابن مردويه و غيره عن أبي هريرة و أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): في قوله تعالى: «رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله» قال: هم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله.

أقول: كأن الرواية غير تامة و تمامها فيما روي عن ابن عباس قال: كانوا رجالا يبتغون من فضل الله يشترون و يبيعون فإذا سمعوا النداء بالصلاة ألقوا ما بأيديهم و قاموا إلى المسجد فصلوا.

و في المجمع،: في قوله تعالى: «و الله سريع الحساب» و سئل أمير المؤمنين (عليه السلام): كيف يحاسبهم في حالة واحدة؟ فقال: كما يرزقهم في حالة واحدة.

و في روضة الكافي، بإسناده عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عن أبيه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الله عز و جل جعل السحاب غرابيل المطر هي تذيب البرد حتى يصير ماء لكي لا يضر شيئا يصيبه، و الذي ترون فيه من البرد و الصواعق نقمة من الله عز و جل يصيب بها من يشاء من عباده.

و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «فمنهم من يمشي على بطنه - و منهم من يمشي على رجلين و منهم من يمشي على أربع» قال: على رجلين الناس، و على بطنه الحيات، و على أربع البهائم، و قال أبو عبد الله (عليه السلام): و منهم من يمشي على أكثر من ذلك.

العودة إلى القائمة

التالي