الميزان في تفسير القرآن

سورة الكهف

83 - 102

تابع
وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلا (102)

و وجه رابع: و هو أن يكون أن و صلته سادة مسد المفعولين و عناية الكلام متوجهة إلى إنكار كون الاتخاذ اتخاذا حقيقة على معنى أن ذلك ليس من الاتخاذ في شيء إذ الاتخاذ إنما يكون من الجانبين و المتخذون متبرئون منهم لقولهم: «سبحانك أنت ولينا من دونهم».

و الوجوه الأربعة مترتبة في الوجاهة و أوجهها أولها و سياق هذه الآيات يساعد عليه فإن هذه الآيات بل عامة آيات السورة مسوقة لبيان أنهم فتنوا بزينة الحياة الدنيا و اشتبه عليهم الأمر فاطمأنوا إلى ظاهر الأسباب فاتخذوا غيره تعالى أولياء من دونه فهم يظنون أن ولايتهم تكفيهم و تنفعهم و تدفع عنهم الضر و الحال أن ما سيلقونه بعد النفخ و الجمع يناقض ذلك فالآية تنكر عليهم هذا الظن و الحسبان بعد ما كان مآل أمرهم ذلك.

ثم إن إمكان قيام أن و صلته مقام مفعولي حسب و قد ورد في كلامه تعالى كثيرا كقوله: «أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا»: الجاثية - 21 و غيره يغني عن تقدير مفعول ثان محذوف و قد منع عنه بعض النحاة.

و تؤيده الآيات التالية: «قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا» إلخ و كذا القراءة المنسوبة إلى علي (عليه السلام) و عدة منهم، أ فحسب» بسكون السين و ضم الباء و المعنى أ فاتخاذ عبادي من دوني أولياء كاف لهم.

و المراد بالعباد في قوله: «أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء» كل من يعبده الوثنيون من الملائكة و الجن و الكملين من البشر.

و أما ما ذكره المفسرون أن المراد بهم المسيح (عليه السلام) و الملائكة و نحوهم من المقربين دون الشياطين لأن الأكثر في مثل هذا اللفظ «عبادي» أن تكون الإضافة لتشريف المضاف.

ففيه أولا أن المقام لا يناسب التشريف.

و هو ظاهر.

و ثانيا أن قيد «من دوني» في الكلام صريح في أن المراد بالذين كفروا هم الوثنيون الذين لا يعبدون الله مع الاعتراف بألوهيته و إنما يعبدون الشركاء الشفعاء؟ و أما أهل الكتاب مثلا النصارى في اتخاذهم المسيح وليا فإنهم لا ينفون ولاية الله بل يثبتون الولايتين معا ثم يعدونهما واحدا فافهم ذلك فالحق أن قوله: «عبادي» لا يعم المسيح و من كان مثله من البشر بل يختص بآلهة الوثنيين و المراد بقوله «الذين كفروا» الوثنيون فحسب.

و قوله: «إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا» أي شيئا يتمتعون به عند أول نزولهم الدار الآخرة شبه الدار الآخرة بالدار ينزلها الضيف و جهنم بالنزل الذي يكرم به الضيف النزيل لدى أول وروده، و يزيد هذا التشبيه لطفا و جمالا ما سيأتي بعد آيتين أنهم لا يقام لهم وزن يوم القيامة فكأنهم لا يلبثون دون أن يدخلوا النار، و في الآية من التهكم ما لا يخفى، و كأنما قوبل به ما سيحكى من تهكمهم في الدنيا بقوله: «و اتخذوا آياتي و رسلي هزوا».

بحث روائي

في تفسير القمي،: فلما أخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بخبر موسى و فتاه و الخضر قالوا له فأخبرنا عن طائف طاف الأرض: المشرق و المغرب من هو؟ و ما قصته؟ فأنزل الله: «و يسألونك عن ذي القرنين» الآيات.

أقول: و قد تقدم في الكلام على قصة أصحاب الكهف تفصيل هذه الرواية و روي أيضا ما في معناه في الدر المنثور، عن ابن أبي حاتم عن السدي و عن عمر مولى غفرة.

و اعلم أن الروايات المروية من طرق الشيعة و أهل السنة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و من طرق الشيعة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) و كذا الأقوال المنقولة عن الصحابة و التابعين و يعامل معها أهل السنة معاملة الأحاديث الموقوفة في قصة ذي القرنين مختلفة اختلافا عجيبا متعارضة متهافتة في جميع خصوصيات القصة و كافة أطرافها و هي مع ذلك مشتملة على غرائب يستوحش منها الذوق السليم أو يحيلها العقل و ينكرها الوجود لا يرتاب الباحث الناقد إذا قاس بعضها إلى بعض و تدبر فيها أنها غير سليمة عن الدس و الوضع و مبالغات عجيبة في وصف القصة و أغربها ما روي عن علماء اليهود الذين أسلموا كوهب بن منبه و كعب الأحبار أو ما يشعر القرائن أنه مأخوذ منهم فلا يجدينا و الحال هذه نقلها بالاستقصاء على كثرتها و طولها، و إنما نشير بعض الإشارة إلى وجوه اختلافها، و نقتصر على نقل ما يسلم عن الاختلاف في الجملة.

فمن الاختلاف اختلافها في نفسه فمعظم الروايات على أنه كان بشرا، و قد ورد 1 في بعضها أنه كان ملكا سماويا أنزله الله إلى الأرض و آتاه من كل شيء سببا.

و في خطط المقريزي عن الجاحظ في كتاب الحيوان، أن ذا القرنين كانت أمه آدمية و أبوه من الملائكة.

و من ذلك الاختلاف في سمته ففي أكثر الروايات أنه كان عبدا صالحا أحب الله فأحبه و ناصح الله فناصحه، و في بعضها 1 أنه كان محدثا يأتيه الملك فيحدثه و في بعضها 2 أنه كان نبيا.

و من ذلك الاختلاف في اسمه ففي بعضها أن اسمه 3 عياش، و في بعضها 4 إسكندر، و في بعضها 5 مرزيا بن مرزبة اليوناني من ولد يونن بن يافث بن نوح، و في بعضها 6 مصعب بن عبد الله من قحطان و في بعضها 7 صعب بن ذي المراثد أول التبابعة و كأنه التبع أبو كرب، و في بعضها 8 عبد الله بن ضحاك بن معد إلى غير ذلك و هي كثيرة.

و من ذلك الاختلاف في وجه تسميته بذي القرنين ففي بعضها 9 أنه دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه الأيمن فغاب عنهم زمانا ثم جاءهم و دعاهم إلى الله ثانيا فضربوه على قرنه الأيسر فغاب عنهم زمانا ثم آتاه الله الأسباب فطاف شرق الأرض و غربها فسمي بذلك ذا القرنين، و في بعضها 10 أنهم قتلوه بالضربة الأولى ثم أحياه الله فجاءهم و دعاهم فضربوه و قتلوه ثانيا ثم أحياه الله و رفعه إلى السماء الدنيا ثم أنزله إلى الأرض و آتاه من كل شيء سببا.

و في بعضها 1 أنه نبت له بعد الإحياء الثاني قرنان في موضعي الشجتين و سخر الله له النور و الظلمة ثم لما نزل إلى الأرض سار فيها و دعا إلى الله و كان يزأر كالأسد و يبرق و يرعد قرناه و إذا استكبر عن دعوته قوم سلط عليهم الظلمة فأعيتهم حتى اضطروا إلى إجابتها.

و في بعضها 2 أنه كان له قرنان في رأسه و كان يتعمم عليهما يواريهما بذلك و هو أول من تعمم و قد كان يخفيهما عن الناس و لم يكن يطلع على ذلك أحد إلا كاتبه و قد نهاه أن يخبر به أحدا فضاق صدر الكاتب بذلك فأتى الصحراء فوضع فمه بالأرض ثم نادى ألا إن للملك قرنين فأنبت الله من كلمته قصبتين فمر بهما راع فأعجبهما فقطعهما و اتخذهما مزمارا فكان إذا زمر خرج من القصبتين: ألا إن للملك قرنين فانتشر ذلك في المدينة فأرسل إلى الكاتب و استنطقه و هدده بالقتل إن لم يصدق فقص عليه القصة فقال ذو القرنين هذا أمر أراد الله أن يبديه فوضع العمامة عن رأسه.

و قيل: 3 سمي ذا القرنين لأنه ملك قرني الأرض و هما المشرق و المغرب و قيل: 4 لأنه رأى في المنام أنه أخذ بقرني الشمس فعبر له بملك الشرق و الغرب و سمي بذي القرنين، و قيل: 5 لأنه كان له عقيصتان في رأسه، و قيل 6 لأنه ملك الروم و فارس، و قيل 7: لأنه كان له في رأسه شبه قرنين، و قيل 8 لأنه كان على تاجه قرنان من الذهب إلى غير ذلك مما قيل.

و من ذلك اختلافها في سيره إلى المغرب و المشرق و فيه أشد الاختلاف فقد روي 1 أنه سخر له السحاب فكان يركب السحاب و يسير في الأرض غربا و شرقا.

و روي 2 أنه بلغ جبل قاف و هو جبل أخضر محيط بالدنيا منه خضرة السماء.

و روي 3 أنه طلب عين الحياة فأشير عليه أنها في الظلمات فدخلها و في مقدمته الخضر فلم يرزق ذو القرنين أن يشرب منها و شرب الخضر و اغتسل منها فكان له البقاء المؤبد و في هذه الروايات أن الظلمات في جانب المشرق.

و من ذلك اختلافها في موضع السد الذي بناها ففي بعضها أنه في 4 المشرق و في بعضها 5 أنه في الشمال، و قد بلغ من مبالغة بعض الروايات أن ذكرت 6 أن طول السد و هو مسافة ما بين الجبلين مائة فرسخ و عرضه خمسون فرسخا و ارتفاعه ارتفاع الجبلين و قد حفر له أساسا حتى بلغ الماء و قد جعل حشوه الصخور و طينه النحاس ثم علاه بزبر الحديد و النحاس المذاب و جعل خلاله عرقا من نحاس أصفر فصار كأنه برد محبر.

و من ذلك اختلافها في وصف يأجوج و مأجوج فروي 7 أنهم من الترك و من ولد يافث بن نوح كانوا يفسدون في الأرض فضرب السد دونهم.

و روي 8 أنهم من غير ولد آدم و في 9 عدة من الروايات أنهم قوم ولود لا يموت الواحد منهم من ذكر أو أنثى حتى يولد له ألف من الأولاد و أنهم أكثر عددا من سائر البشر حتى عدوا في 1 بعض الروايات تسعة أضعاف البشر، و روي 2 أنهم من الشدة و البأس بحيث لا يمرون ببهيمة أو سبع أو إنسان إلا افترسوه و أكلوه و لا على زرع أو شجر إلا رعوه و لا على ماء نهر إلا شربوه و نشفوه، و روي 3 أنهم أمتان كل منهما أربع مائة ألف أمة كل أمة لا يحصي عددهم إلا الله سبحانه.

و روي 4 أنهم طوائف ثلاث فطائفة كالأرز و هو شجر طوال، و طائفة يستوي طولهم و عرضهم: أربعة أذرع في أربعة أذرع و طائفة و هم أشدهم للواحد منهم أذنان يفترش بإحداهما و يلتحف بالأخرى يشتو في إحداهما لابسا له و هي وبرة ظهرها و بطنها و يصيف في الأخرى و هي زغبة ظهرها و بطنها، و هم صلب على أجسادهم من الشعر ما يواريها، و روي أن الواحد 5 منهم شبر أو شبران أو ثلاثة، و روي 6 أن الذين كانوا يقاتلونهم كان وجوههم وجوه الكلاب.

و من ذلك اختلافها في زمان ملكه ففي بعضها 7 أنه كان بعد نوح، و روي 8 أنه كان في زمن إبراهيم و معاصره و قد حج البيت و لقيه و صافحه و هي أول مصافحة على وجه الأرض، و روي 9 أنه كان في زمن داود.

و من ذلك اختلافها في مدة ملكه فروي 1 ثلاثون سنة و روي 2 اثنتا عشرة سنة إلى غير ذلك من جهات الاختلاف التي يعثر عليها من راجع أخبار القصة من جوامع الحديث و خاصة الدر المنثور، و البحار، و البرهان، و نور الثقلين،.

و في كتاب كمال الدين، بإسناده عن الأصبغ بن نباتة قال: قام ابن الكواء إلى علي (عليه السلام) و هو على المنبر فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن ذي القرنين أ نبيا كان أم ملكا؟ و أخبرني عن قرنيه أ من ذهب أم من فضة؟ فقال له: لم يكن نبيا و لا ملكا، و لم يكن قرناه من ذهب و لا فضة و لكن كان عبدا أحب الله فأحبه الله و نصح الله فنصحه الله، و إنما سمي ذا القرنين لأنه دعا قومه إلى الله عز و جل فضربوه على قرنه فغاب عنهم حينا ثم عاد إليهم فضرب على قرنه الآخر، و فيكم مثله.

أقول: الظاهر أن «الملك» في الرواية بفتح اللام لا بكسرها لاستفاضة الروايات عنه و عن غيره (عليه السلام) بملك ذي القرنين فنفيه (عليه السلام) أن يكون ذو القرنين نبيا أو ملكا بفتح اللام إنكار منه لصحة ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض الروايات أنه كان نبيا و في بعضها الآخر أنه كان ملكا من الملائكة و به كان يقول عمر بن الخطاب كما تقدمت الإشارة إليه.

و قوله: «و فيكم مثله» أي مثل ذي القرنين في شجتيه يشير (عليه السلام) إلى نفسه فإنه أصيب بضربة من عمرو بن عبد ود و بضربة من عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله فاستشهد بها، و لرواية مستفيضة عنه (عليه السلام) روته عنه الشيعة و أهل السنة بألفاظ مختلفة، و أبسط ألفاظها ما أوردناه، و قد لعبت به يد النقل بالمعنى فأظهرته في صور عجيبة و بلغ بها التحريف غايته.

و في الدر المنثور، أخرج ابن مردويه عن سالم بن أبي الجعد قال: سئل علي عن ذي القرنين أ نبي هو؟ فقال سمعت نبيكم (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: هو عبد ناصح الله فنصحه.

و في احتجاج الطبرسي، عن الصادق (عليه السلام) في حديث طويل: و فيه قال السائل أخبرني عن الشمس أين تغيب؟ قال: إن بعض العلماء قال: إذا انحدرت أسفل القبة دار بها الفلك إلى بطن السماء صاعدة أبدا إلى أن تنحط إلى موضع مطلعها. يعني أنها تغيب في عين حمئة ثم تخرق الأرض راجعة إلى موضع مطلعها فتحير تحت العرش حتى يؤذن لها بطلوع و يسلب نورها كل يوم و تتجلل نورا أحمر.

أقول: قوله: «إذا انحدرت أسفل القبة - إلى قوله: مطلعها» بيان لسير الشمس من حين غروبها إلى إبان طلوعها في مدارها السماوي على ما تفرضه هيئة بطليموس الدائرة في تلك الأعصار المبنية على سكون الكرة الأرضية و حركة الأجرام السماوية حولها، و لذا نسبه (عليه السلام) إلى بعض العلماء.

و قوله: «يعني أنها تغيب في عين حمئة ثم تخرق الأرض راجعة إلى موضع مطلعها» من كلام بعض رواة الخبر لا من كلامه (عليه السلام) فالراوي لقصور منه في الفهم فسر قوله تعالى: «تغرب في عين حمئة» بسقوط القرص في العين و غيبوبته فيها ثم سبحه فيها كالسمكة في الماء و خرقه الأرض حتى يبلغ المطلع ثم ذهابه إلى تحت العرش و هو على زعمه سماء فوق السماوات السبع أو جسم نوراني كأعظم ما يكون موضوع فوق السماء السابعة و مكثه هناك حتى يؤذن له في الطلوع فيكسى نورا أحمر و يطلع.

و الراوي يشير بقوله: «فتحير تحت العرش حتى يؤذن لها إلخ إلى رواية أخرى مأثورة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الملائكة تذهب بالشمس بعد غروبها فتوقفها تحت العرش و هي مسلوبة النور فتمكث هناك و هي لا تدري ما تؤمر به غدا حتى تكسى نورا و تؤمر بالطلوع، الرواية.

و قد ارتكب فهمه في تفسير العرش هناك نظير ما ارتكبه في تفسير الغروب هاهنا فزاد عن الحق بعدا على بعد.

و لم يرد تفسير العرش في كتاب و لا سنة قابلة للاعتماد بالفلك التاسع أو بجسم نوراني علوي كهيئة السرير التي اختلقها فهمه و قد قدمنا معظم روايات العرش في أوائل الجزء الثامن من هذا الكتاب.

و في التسمية أعني قوله: «قال بعض العلماء بعض الإشارة إلى أن هذا القول لم يكن مرضيا عنده (عليه السلام) و مع ذلك لم يسعه أن يسمح بحق القول في المسألة كيف؟ و إذا ساقتهم سذاجة الفهم في فرضية سهلة التصور عند أهله في تلك الأعصار هذا المساق فما ظنك بهم لو ألقي إليهم ما لا يصدقه ظاهر حسهم و لا يسعه ظرف فكرهم.

و في الدر المنثور، أخرج عبد الرزاق و سعيد بن منصور و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم من طريق عثمان بن أبي حاضر: أن ابن عباس ذكر له أن معاوية بن أبي سفيان قرأ الآية التي في سورة الكهف «تغرب في عين حامية» قال ابن عباس: فقلت لمعاوية: ما نقرؤها إلا حمئة فسأل معاوية عبد الله بن عمر و كيف تقرؤه؟ فقال عبد الله: كما قرأتها. قال ابن عباس: فقلت لمعاوية: في بيتي نزل القرآن فأرسل إلى كعب فقال له: أين تجد الشمس تغرب في التوراة؟ فقال له كعب: سل أهل العربية فإنهم أعلم بها، و أما أنا فإني أجد الشمس تغرب في التوراة في ماء و طين، و أشار بيده إلى المغرب. قال ابن أبي حاضر: لو أني عندكما أيدتك بكلام تزداد به بصيرة في حمئة. قال ابن عباس: و ما هو؟ قلت: فيما نأثر قول تبع فيما ذكر به ذا القرنين في كلفه بالعلم و اتباعه إياه: قد كان ذو القرنين عمر مسلما ملكا تدين له الملوك و تحشد فأتى المشارق و المغارب يبتغي أسباب ملك من حكيم مرشد فرأى مغيب الشمس عند غروبها في عين ذي خلب و ثأط حرمد فقال ابن عباس: ما الخلب؟ قلت: الطين بكلامهم. قال: فما الثأط؟ قلت: الحمأة. قال: فما الحرمد؟ قلت: الأسود فدعا ابن عباس غلاما فقال له: اكتب ما يقول هذا الرجل.

أقول: و الحديث لا يلائم ما ذهبوا إليه من تواتر القراءات تلك الملاءمة و عن التيجان لابن هشام الحديث و فيه أن ابن عباس أنشد هذه الأشعار لمعاوية و أن معاوية سأله عن معنى الخلب و الثأط و الحرمد قال: الخلب الحمأة و الثأط ما تحتها من الطين و الحرمد ما تحته من الحصى و الحجر، و قد أورد القصيدة، و هذا الاختلاف يؤذن بشيء في الرواية.

في تفسير العياشي، عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام): في قول الله عز و جل: «لم نجعل لهم من دونها سترا» قال: لم يعلموا صنعة البيوت.

و في تفسير القمي،: في الآية قال: لم يعلموا صنعة الثياب.

و في الدر المنثور، أخرج ابن المنذر عن ابن عباس: في قوله: «حتى إذا بلغ بين السدين» قال: الجبلين أرمينية و آذربيجان.

و في تفسير العياشي، عن المفضل قال: سألت الصادق (عليه السلام) عن قوله. «أجعل بينكم و بينهم ردما» قال: التقية «فما استطاعوا أن يظهروه و ما استطاعوا له نقبا» إذا عملت بالتقية لم يقدروا لك على حيلة، و هو الحصن الحصين، و صار بينك و بين أعداء الله سدا لا يستطيعون له نقبا.

و فيه، أيضا عن جابر عنه (عليه السلام) في الآية قال: التقية.

أقول: الروايتان من الجري و ليستا بتفسير.

و في تفسير العياشي، عن الأصبغ بن نباتة عن علي (عليه السلام): «و تركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض» يعني يوم القيامة.

أقول: ظاهر الآية بحسب السياق أنه من أشراط الساعة، و لعله المراد بيوم القيامة فربما تطلق على ظهور مقدماتها.

و فيه، عن محمد بن حكيم قال: كتبت رقعة إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فيها: أ تستطيع النفس المعرفة؟ قال: فقال لا فقلت: يقول الله: «الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري - و كانوا لا يستطيعون سمعا» قال: هو كقوله: «و ما كانوا يستطيعون السمع و ما كانوا يبصرون» قلت: فعابهم؟ قال: لم يعبهم بما صنع هو بهم و لكن عابهم بما صنعوا، و لو لم يتكلفوا لم يكن عليهم شيء.

أقول: يعني أنهم تسببوا لهذا الحجاب فرجع إليهم تبعته.

و في تفسير القمي،: في الآية قال: كانوا لا ينظرون إلى ما خلق الله من الآيات و السماوات و الأرض.

أقول: و في العيون، عن الرضا (عليه السلام): تطبيق الآية على منكري الولاية و هو من الجري كلام حول قصة ذي القرنين

و هو بحث قرآني و تاريخي في فصول:

1 - قصة ذي القرنين في القرآن:

يتبع...

العودة إلى القائمة

التالي