الميزان في تفسير القرآن

سورة المائدة

33 - 40

تابع
إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (34) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ (37) وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)

و الآية بإطلاقها يؤيد ما في خبر الكافي، و من المعلوم أن سبب النزول لا يوجب تقيد ظاهر الآية.

و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله - و ابتغوا إليه الوسيلة» الآية قال: فقال: تقربوا إليه بالإمام.

أقول: أي بطاعته فهو من قبيل الجري و الانطباق على المصداق، و نظيره ما عن ابن شهر آشوب قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): في قوله تعالى: «و ابتغوا إليه الوسيلة»: أنا وسيلته:. و قريب منه ما في بصائر الدرجات، بإسناده عن سلمان عن علي (عليه السلام)، و يمكن أن يكون الروايتان من قبيل التأويل فتدبر فيهما.

و في المجمع:، روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا ينالها إلا عبد واحد و أرجو أن أكون أنا هو.

و في المعاني، بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا سألتم الله فاسألوا لي الوسيلة، فسألنا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الوسيلة، فقال: هي درجتي في الجنة الحديث و هو طويل معروف بحديث الوسيلة.

و أنت إذا تدبرت الحديث، و انطباق معنى الآية عليه وجدت أن الوسيلة هي مقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من ربه الذي به يتقرب هو إليه تعالى، و يلحق به آله الطاهرون ثم الصالحون من أمته، و قد ورد في بعض الروايات عنهم (عليهم السلام): أن رسول الله آخذ بحجزة ربه و نحن آخذون بحجزته، و أنتم آخذون بحجزتنا.

و إلى ذلك يرجع ما ذكرناه في روايتي القمي و ابن شهر آشوب أن من المحتمل أن تكونا من التأويل، و لعلنا نوفق لشرح هذا المعنى في موضع يناسبه مما سيأتي.

و من الملحق بهذه الروايات ما رواه العياشي عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: عدو علي هم المخلدون في النار قال الله: «و ما هم بخارجين منها».

و في البرهان،: في قوله تعالى: «و السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما» الآية: عن التهذيب، بإسناده عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: تقطع يد السارق و يترك إبهامه و راحته، و تقطع رجله و يترك عقبه يمشي عليها.

و في التهذيب، أيضا بإسناده عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): في كم تقطع يد السارق؟ فقال: في ربع دينار. قال: قلت له: في درهمين؟ فقال: في ربع دينار بلغ الدينار ما بلغ. قال: فقلت له: أ رأيت من سرق أقل من ربع الدينار هل يقع عليه حين سرق اسم السارق؟ و هل هو عند الله سارق في تلك الحال؟ فقال: كل من سرق من مسلم شيئا قد حواه و أحرزه فهو يقع عليه اسم السارق، و هو عند الله سارق و لكن لا تقطع إلا في ربع دينار أو أكثر، و لو قطعت يد السارق فيما هو أقل من ربع دينار لألفيت عامة الناس مقطعين.

أقول: يريد (عليه السلام) بقوله: و لو قطعت يد السارق إلخ أن في حكم القطع تخفيفا من الله رحمة منه لعباده، و هذا المعنى أعني اختصاص الحكم بسرقة ربع دينار أو أكثر مروي ببعض طرق الجمهور أيضا ففي صحيحي البخاري و مسلم، بإسنادهما عن عائشة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا يقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا.

و في تفسير العياشي، عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنه قال: إذا أخذ السارق فقطع وسط الكف فإن عاد قطعت رجله من وسط القدم فإن عاد استودع السجن فإن سرق في السجن قتل.

و فيه، عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): عن رجل سرق و قطعت يده اليمنى ثم سرق فقطعت رجله اليسرى ثم سرق الثالثة؟ قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يخلده في السجن و يقول: إني لأستحيي من ربي أن أدعه بلا يد يستنظف بها و لا رجل يمشي بها إلى حاجته.

قال: فكان إذا قطع اليد قطعها دون المفصل، و إذا قطع الرجل قطعها دون الكعبين قال: و كان لا يرى أن يغفل عن شيء من الحدود.

و فيه:، عن زرقان صاحب ابن أبي دواد و صديقه بشدة قال: رجع ابن أبي دواد ذات يوم من عند المعتصم، و هو مغتم فقلت له في ذلك فقال: وددت اليوم أني قدمت منذ عشرين سنة قال: قلت له: و لم ذاك؟ قال: لما كان من هذا الأسود أبا جعفر محمد بن علي بن موسى اليوم بين يدي أمير المؤمنين المعتصم قال: قلت: و كيف كان ذلك؟ قال: إن سارقا أقر على نفسه بالسرقة و سأل الخليفة تطهيره بإقامة الحد عليه فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه، و قد أحضر محمد بن علي فسألنا عن القطع في أي موضع يجب أن يقطع؟ قال: فقلت: من الكرسوع لقول الله في التيمم: «فامسحوا بوجوهكم و أيديكم» و اتفق معي على ذلك قوم. و قال آخرون: بل يجب القطع من المرفق قال: و ما الدليل على ذلك؟ قالوا: لأن الله لما قال: «و أيديكم إلى المرافق» في الغسل دل على ذلك أن حد اليد هو المرفق. قال: فالتفت إلى محمد بن علي فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟ فقال: قد تكلم القوم فيه يا أمير المؤمنين قال: دعني بما تكلموا به أي شيء عندك؟ قال: اعفني عن هذا يا أمير المؤمنين قال: أقسمت عليك بالله لما أخبرت بما عندك فيه، فقال. أما إذا أقسمت علي بالله إني أقول: إنهم أخطئوا فيه السنة، فإن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فتترك الكف، قال: و ما الحجة في ذلك؟ قال: قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): السجود على سبعة أعضاء: الوجه، و اليدين، و الركبتين، و الرجلين فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها، و قال الله تبارك و تعالى: «و أن المساجد لله» يعني هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها «فلا تدعوا مع الله أحدا» و ما كان لله لم يقطع. قال: فأعجب المعتصم ذلك فأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف. قال ابن أبي دواد: قامت قيامتي و تمنيت أني لم أك حيا. قال ابن أبي زرقان: إن ابن أبي دواد قال: صرت إلى المعتصم بعد ثالثة فقلت: إن نصيحة أمير المؤمنين علي واجبة و أنا أكلمه بما أعلم أني أدخل به النار قال: و ما هو؟ قلت: إذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته و علماءهم لأمر واقع من أمور الدين فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك، و قد حضر المجلس بنوه و قواده و وزراؤه و كتابه، و قد تسامع الناس بذلك من وراء بابه ثم يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل يقول شطر هذه الأمة بإمامته، و يدعون أنه أولى منه بمقامه ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء؟ قال: فتغير لونه، و انتبه لما نبهته له، و قال: جزاك الله عن نصيحتك خيرا. قال: فأمر اليوم الرابع فلانا من كتاب وزرائه بأن يدعوه إلى منزله فدعاه فأبى أن يجيبه، و قال: قد علمت أني لا أحضر مجالسكم فقال: إني إنما أدعوك إلى الطعام و أحب أن تطأ ثيابي و تدخل منزلي فأتبرك بذلك و قد: أحب فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقائك فصار إليه فلما أطعم منها أحس مآلم السم فدعا بدابته فسأله رب المنزل أن يقيم قال: خروجي من دارك خير لك، فلم يزل يومه ذلك و ليلته في خلفه حتى قبض.

أقول: و رويت القصة بغيره من الطرق، و إنما أوردنا الرواية بطولها كبعض ما تقدمها من الروايات المتكررة لاشتمالها على أبحاث قرآنية دقيقة يستعان بها على فهم الآيات.

و في الدر المنثور، أخرج أحمد و ابن جرير و ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمر: أن امرأة سرقت على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقطعت يدها اليمنى فقالت: هل لي من توبة يا رسول الله؟ قال: نعم أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك، فنزل الله في سورة المائدة: «فمن تاب من بعد ظلمه و أصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم».

أقول: الرواية من قبيل التطبيق و اتصال الآية بما قبلها، و نزولهما معا ظاهر

العودة إلى القائمة

التالي