تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان |
سورة الأنعام |
73 |
((وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ)) والمراد بالسماوات أما إجرام هناك أو المدارات للكواكب ((بِالْحَقِّ))، أي ليس بالباطل فإنّ مَن يصنع شيئاً قد يصنعه عبثاً وباطلاً وقد يصنعه لغاية وحكمة، فمعنى (بالحق) أنه ليس الخلق عبثاً، كما قال سبحانه (سبحانك ما خلقتُ هذا باطلا) ((وَيَوْمَ يَقُولُ)) سبحانه لشيء ((كُن)) وأخرج من العدم إلى الوجود ((فَيَكُونُ)) ويوجد ((قَوْلُهُ الْحَقُّ)) الظاهر أنه العامل في (يوم)، أي إنّ قوله تعالى يكون ويتحقّق في أي يوم قال لشيء (كُن) فهو سبحانه خلقه بالحق، وقوله (حق) أي متحقّق ثابت لا خلف فيه وليس كأقوال من تذهب أقواله باطلة ((وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ)) الصور هو الآلة التي يُنفخ فيها لأجل هلاك الناس جميعاً، وهو في آخر يوم من أيام الآخرة، يعني أنه سبحانه الملك الوحيد الذي لا يوجد ملك غيره في ذلك اليوم، والفقرات الثلاثة في الآية لبيان الأحوال الثلاثة: الخلق للأشياء، والتصرّف في الكون بما يشاء، وكون المعادلة له سبحانه، وهو ((عَالِمُ الْغَيْبِ))، أي يعلم ما غاب عن الحواس لعدم إدراك الحواس له أو لكونه من الأمور المستقلة ((وَالشَّهَادَةِ))، أي ما يشاهده الناس، وأتى بهذه الجملة هنا ليتناسق العلم مع القدرة ((وَهُوَ الْحَكِيمُ)) في أفعاله ((الْخَبِيرُ)) بالأشياء فلا يعمل شيئاً إعتباطاً وعبثاً. |
||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان |
سورة الأنعام |
74 |
وبعد ما بيّن سبحانه الأدلة حول التوحيد، أتى بقصة إبراهيم (عليه السلام) الذي كان يدعو إلى التوحيد ليمثّل الأدلة في قصة حوارية جذّابة ((وَ)) اذكر يارسول الله ((إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ)) والمراد بالأب هنا العم كما ورد، فإنّ العرب تسمّي العم أباً، كما تسمّي الخالة أماً، وقد ورد في زيارة الشهيد علي الأكبر (عليه السلام): السلام عليك يابن الحسن والحسين" ((أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً)) على وجه الإستنكار والتوبيخ، أي كيف تعبد الأصنام وتجعلها إلهاً من دون الله ((إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ))، أي واضح فإنّ الإله يجب أن يكون خالقاً رازقاً فكيف تكون الأصنام آلهة؟. |
||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان |
سورة الأنعام |
75 |
((وَكَذَلِكَ))، أي بمثل هذه الفطرة المستقيمة التي رأى بها إبراهيم بطلان عبادة الأصنام ((نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ))، أي آثار الملك الموجودة في المساوات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والجبال والبحار والأشجار والدواب وغيرها، مما تدلّ كلها على وجود إله حكيم عليم خالق قادر، وإنما نَسَبَ الإرائة إلى نفسه تعالى لأنه هو الذي فَتَقَ بصيرة إبراهيم (عليه السلام) للتأمّل في الآيات الكونية، وفي الأحاديث أنه (عليه السلام) كان يرى أغوار الأرض وآفاق السماء فقد كُشف عن عينه الحجاب وكان يرى ما لا يدركه البصر الإنساني ((وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ))، أي المتيقّنين بأنّ الله سبحانه هو الخالق والإله أريناه الملكوت، فجملة (وليكون من الموقنين) مستأنفة. |
||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان |
سورة الأنعام |
76 |
إنّ إبراهيم (عليه السلام) إصطدم بأصناف ثلاثة يعبدون من دون الله الكواكب: فكان بعضهم يعبدون الزُهرة، وبعضهم يعبد القمر، وبعضهم يعبد الشمس، فأراد الإحتجاج عليهم فلما جنّ عليه الليل رأى الزُهرة فقال لعُبّادها مستنكراً: هل هذا ربي؟، ثم ردّ عليهم بأنه أفَلَ ذاهب متحرّك، وهذه من شأن المخلوق لا الخالق فإنّ الخالق لا يتغيّر ولا يتحرّك، وبعد ما طلع القمر قال لعُبّاده على وجه الإستنكار: هل هذا ربي؟، ثم احتجّ عليهم بما احتجّ على عبادة الزُهرة، وبعدما طلعت الشمس قال لعُبّادها على وجه الإستنكار: هل هذا ربي؟، ثم أبطَلَ ألوهيّتها بما سبق وبيّن أنّ إلهه هو الله وحده لا شريك له ((فَلَمَّا جَنَّ))، أي أظلم ((عَلَيْهِ اللَّيْلُ)) وستر بظلامه كل شيء ((رَأَى)) إبراهيم (عليه السلام) ((كَوْكَبًا)) وجماعة يعبدونه ((قَالَ)) مستنكراً عليهم: هل ((هَذَا رَبِّي))؟ ((فَلَمَّا أَفَلَ)) وغَرَبَ النجم ((قَالَ)) إبراهيم ((لا أُحِبُّ الآفِلِينَ))، أي لا أحب أن أتّخذ الشيء الذي يغرب إلهاً. |
||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان |
سورة الأنعام |
77 |
((فَلَمَّا رَأَى)) إبراهيم (عليه السلام) ((الْقَمَرَ بَازِغًا))، أي طالعاً منيراً وجماعة يعبدونه ((قَالَ)) مستنكراً عليه: هل ((هَذَا رَبِّي))؟ ((فَلَمَّا أَفَلَ)) وغَرَبَ القمر ((قَالَ)) إبراهيم على سبيل التعريض بأولئك ((لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي)) إلى الطريق المستقيم ((لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ)) الذين ضلّوا الطريق واتّخذوا آلهة باطلة. |
||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان |
سورة الأنعام |
78 |
((فَلَمَّا)) أصبح إبراهيم (عليه السلام) و((رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً)) طالعة وجماعة يعبدونها ((قَالَ)) مستنكراً عملهم طاعناً في حجّتهم: هل ((هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ))؟ فكأنهم كانوا يستدلّون بكبرها على أنها الرب دون سواها ((فَلَمَّا أَفَلَتْ)) الشمس وغَرَبَت ((قَالَ)) إبراهيم (عليه السلام) ((يَا قَوْمِ)) العبّاد لغير الله تعالى ((إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ))، أي ما تجعلونه شريكاً سبحانه من الكواكب. |
||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان |
سورة الأنعام |
79 |
((إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ)) والمراد بالوجه الذات، لكن حيث إنّ الإنسان حينما يُخلص لشيء ويريد إستقباله يوجّه صورته إليه، إستعمل الوجه في الذات مجازاً ((لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ))، أي خلقها وأوجدها ((حَنِيفًا))، أي مائلاً عن الشرك إلى الإخلاص ((وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) الذين يُشركون بالإله غيره. |
||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان |
سورة الأنعام |
80 |
ولما باعث وجادَلَ إبراهيم حول الأصنام والكواكب التي يعبدونها قومه فَشى أمره فجاء إليه الناس يحاجّونه ((وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ))، أي خاصموه وجادلونه في باب الألوهيّة ((قَالَ)) إبراهيم ((أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ))، أي تجادلونني بالنسبة إلى الله تعالى ((وَقَدْ هَدَانِ)) إلى الحق بلُطفه وإحسانه ((وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ))، أي لا أخاف من إلهتكم أن يسبّبوا لي ضرراً فإنه ليس الصنم والنجم يضرّان الإنسان ((إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا))، أي ضرراً بي، والإستثناء المنقطع، وقد مرّ سابقاً أنّ هذه الإستثناءات إنما هي لأجل إفادة تمام الطلب بعد جعل المستثنى منه الإطلاق، فالأصل مثلاً، ولا أخاف ضرراً إلا من الله سبحانه، ولستُ أعلم ما يشاء ربي من ضرري أو نفعي بل ((وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا))، أي إنه سبحانه المحيط على الأشياء بعلمه الواسع واطّلاعه الشامل ((أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ)) أيها المشكرون وتتدبّرون لتعرفوا أنّ الأمر كما قلتُ لكم. |
||