تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان |
سورة البقرة |
123 |
((وَاتَّقُواْ يَوْماً))، أي يوم القيامة الموصوف بأنه ((لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً)) هناك، وإنما ترى كل نفس جزاءها العادل، فلا يحمل أحد وزر أحد، ((وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ))، أي فدية تعادله فيفك نفسه بالفدية والمال، ((وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ)) بدون رضى الله سبحانه، ((وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ)) فلا ينصر أحد أحداً، وقد تقدمت مثل هذه الآية، لكن أُريدَ الانتقال إلى موضوع آخر كُررَ المطلب تذكيراً وتركيزاً. |
||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان |
سورة البقرة |
124 |
((وَ)) حيث تم بعض الكلام حول اليهود والنصارى والمشركين انتقل السياق للكلام حول إبراهيم واسحاق ويعقوب وبناء البيت مما يشترك فيه الجميع، وأن تاريخهم قبل تاريخ اليهودية والنصرانية، وقد اعتاد أن يتكلم المتكلم عن الظروف المعاصرة، ثم ينتقل إلى التواريخ الغابرة. واذكر يا رسول الله ((إِذِ ابْتَلَى)) امتحن ((إِبْرَاهِيمَ)) (عليه السلام) ((رَبُّهُ)) فاعل ابتلى، أي امتحن الله إبراهيم ((بِكَلِمَاتٍ))، أي بأمور، فإن الكلمة تقال للأمر، ولا يبعد أن يكون المراد بالكلمة نفس معناها العرفي، فالمعنى ابتلاه بكلمات تكلم الله أم الملك معه (عليه السلام) حولها لينفذها ويأتي بمعناها، ولعل الكلمات كانت حول ذبح إسماعيل (عليه السلام) أو حول مجابهة نمرود الطاغي، ((فَأَتَمَّهُنَّ)) بأن أطاع الأمر كاملاً غير منقوص، ((قَالَ)) الله تعالى بعد إتمام الكلمات: ((إِنِّي جَاعِلُكَ)) يا إبراهيم ((لِلنَّاسِ إِمَامًا))، والإمام هو المقتدى، وحيث أن "الناس" كالجمع المحلى باللام أفاد العموم، ولا منافاة بين كونه (عليه السلام) سابقاً نبياً ورسولاً ولم يكن إماماً عاماً، ثم صار كذلك جزاء إتمام الكلمات، ((قَالَ)) إبراهيم (عليه السلام) سائلاً الله تعالى: ((وَمِن ذُرِّيَّتِي)) هل تجعل يا رب إماماً؟ ((قَالَ)): ((لاَ يَنَالُ عَهْدِي)) بالإمامة ((الظَّالِمِينَ)) ، وهذا جواب مع الزيادة، إذ المفهوم منه: "نعم أجعل بعض ذريتك لكن غير الظالم منهم،" وإنما خص هذا بالذكر لبيان عظم مقام الإمامة. |
||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان |
سورة البقرة |
125 |
((وَ)) اذكر يا رسول الله ((إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ)) الحرام بمكة المكرمة ((مَثَابَةً)) بمعنى مرجعاً، فإن الناس يرجعون إليه كل عام، والرجوع بمناسبة مجموع الناس وإن لم يرجع إليه كل فرد، ((لِّلنَّاسِ وَأَمْناً)) فلا يحل القتال فيه، وإن من التجأ إليه يكون آمناً، فلا يجري عليه الحد، ثم صار في الكلام التفات إلى الخطاب قائلاً: ((وَاتَّخِذُواْ)) أيها المسلمون ((مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ))، وهو الحجر الذي كان يضعه إبراهيم (عليه السلام) تحت رجله لبناء أعالي الكعبة الذي هو الآن بالقرب من الكعبة ((مُصَلًّى))، أي محلاً للصلاة، فإنه تجب الصلاة للطواف حول مقام إبراهيم في الحج، ((وَعَهِدْنَا))، أي ذكرنا ((إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ)) (عليهما السلام) الأب والابن ((أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ)) طهارة معنوية بعدم السماح لنصب الأصنام فيه وطهارة ظاهرية بالنظافة ((لِلطَّائِفِينَ))، أي الذين يطوفون حول البيت ((وَالْعَاكِفِينَ)) الذين يعكفون في المسجد الحرام، وللاعتكاف مسائل وأحكام مذكورة في كتب الفقه ((وَالرُّكَّعِ)) جمع راكع ((السُّجُودِ)) جمع ساجد، أي المصلين. |
||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان |
سورة البقرة |
126 |
((وَ)) اذكر يا رسول الله ((إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ)) في دعائه لله تعالى: ((رَبِّ اجْعَلْ هَذَا)) البلد وهو مكة التي بنى فيها البيت ((بَلَدًا آمِنًا)) عن الأخطار، أو محكوماً بحكم الأمن حكماً شرعياً وإن كان السياق يؤيد الأول، ((وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ))، فإن دعاء إبراهيم (عليه السلام) كان خاصاً بهم، ((قَالَ)) الله سبحانه في جواب إبراهيم ما يدل على استجابة دعاءه مع الزيادة وهي: ((وَمَن كَفَرَ)) من أهل هذه البلد لا نقطع عنه الثمار بل ((فَأُمَتِّعُهُ))، أي أعطيه المتاع من الحياة والرزق والأمن وسائر الأمور ((قَلِيلاً))، فإن عمر الدنيا قصير وأمدها قليل، ((ثُمَّ أَضْطَرُّهُ))، أي أدفعه إلى النار باضطرار منه، فإن أحداً لا يرضى بالنار ((إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ))، أي بئس المأوى والمرجع. |
||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان |
سورة البقرة |
127 |
((وَ)) اذكر يا رسول الله ((إِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ))، أي كان يبني أساس البيت الحرام، ويرفعه من الأرض، ويعاونه في ذلك ((<وَ>إِسْمَاعِيلُ)) ابنه، وهما يقولان في حال البناء: ((رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا)) بناء البيت، ((إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ)) دعاءنا ((الْعَلِيمُ)) بما تعمله ونقصده. |
||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان |
سورة البقرة |
128 |
((رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ)) في جميع أمورنا، والدعاء بالإسلام لا ينافي كونهما كذلك قبل الدعاء، إذ الإسلام كسائر العقائد والأعمال بحاجة إلى الاستمرار مما لا يكون إلا بهداية الله وتوفيقه، فكما أن الابتداء لا يكون إلا بعونه سبحانه كذلك الاستمرار، كما في (اهدنا الصراط المستقيم)، ((وَ)) اجعل ((مِن ذُرِّيَّتِنَا)) وأولادنا ((أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ)) والإسلام هو تسليم الأمور إلى الله سبحانه في الاعتقاد والقول والعمل، ((وَأَرِنَا))، أي عرفنا ((مَنَاسِكَنَا)) جمع منسك، أي المواضع التي تتعلق النسك بها، والنسك العبادة، يقال: "رجل ناسك" أي عابد، وقد استجاب الله دعاءهما حيث أراهما جبرائيل (عليه السلام) موضع الصلاة والوقوف وغيرها، ((وَتُبْ عَلَيْنَآ))، أي ارجع إلينا بالمغفرة والرحمة، فإن التوبة بمعنى الرجوع، ولذا يقال لله: "التواب" أي كثير الرجوع إلى عبيده، ومن ذلك تعرف أنه لا دلالة للآية على أنهما (عليهما السلام) كانا قد أذنبا، ((إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ)) بعبادك ((الرَّحِيمُ)) بهم. |
||
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان |
سورة البقرة |
129 |
((رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ))، أي في الأمة المسلمة التي طلبناها منك ((رَسُولاً مِّنْهُمْ)) من نفس الأمة لا من سائر الأمم، حتى يكون لهم الشرف بكون الرسول منهم، ((يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ)) دلائلك وبراهينك وأحكامك، ((وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ))، إما المراد القرآن أو المراد "كتابك" على نحو الكلي، ((وَالْحِكْمَةَ)) هي وضع كل شيء موضعه، والمراد بتعلمهم إياها تعليمهم العلوم الكونية والتشريعية، فإن الجاهل لا يتمكن من وضع الأشياء مواضعها لجهله بها، ((وَيُزَكِّيهِمْ))، أي يطهرهم من الأدناس والقذرات الأخلاقية والأعمالية، ((إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ)) حقيقة، فإن العزة لا تكون إلا بقلة الوجود وكثرة الاحتياج، والله واحد لا شريك له، وجميع الاحتياجات إليه، وتخصيص العزة هنا بالذكر للتلميح إلى كون الاحتياج إليه، ((الحَكِيمُ))، فأفعالك صادرة عن حكمة، وما طلبناه إنما كان عين الحكمة. |
||