تفسير نور الثقلين |
سورة البقرة |
259 |
تابع |
||
1085 - وفيه واما قوله: (او كالذى مر على قرية وهى خاوية على عروشها قال انى يحيى هذه الله بعد موتها) فانه حدثني ابى عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبى عن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما عملت بنو إسرائيل بالمعاصى و عتواعن أمر ربهم اراد الله ان يسلط عليهم من يذلهم ويقتلهم، فأوحى الله إلى ارميا يا ارميا مابلد انتجبته من بين البلدان وغرست فيى من كرايم الشجر فأخلف فأنبت خرنوبا، فاخبر ارميا احبار بنى إسرائيل فقالوا: راجع ربك ليخبرنا ما معنى هذا المثل، فصام ارميا سبعا فأوحى الله اليه يا ارميا اما البلد فبيت المقدس، واما ما انبت فيها فبنوا إسرائيل الذين اسكنتهم فيه فعملوا بالمعاصى وغيروا دينى وبدلوا نعمتى كفرا، فبى حلفت لامتحننهم بفتنة يظل الحكيم فيها حيرانا، ولاسلطن عليهم شر عبادى ولادة، وشرهم طعاما فليتسلطن عليهم بالجبرية فيقتل مقاتليهم، ويسبى حريمهم، ويخرب بيتهم الذي يغترون به، ويلقى حجرهم الذي يفتخرون به على الناس في المزابل مأة سنة، فاخبر ارميا احبار بنى إسرائيل فقالوا له، راجع ربك ما ذنب ألفقراء والمساكين والضعفاء؟ فصام ارميا سبعا ثم اكل اكلة فلم يوح اليه شئ، ثم صام سبعا فاوحى الله اليه يا ارميا لتكفن عن هذا اولاردن وجهك إلى قفاك، قال: ثم اوحى الله اليه قل لهم: لانكم رايتم المنكر فلم تنكروه، فقال ارميا: رب اعلمنى من هو حتى آتيه وآخذ لنفسى واهلبيتى منه امانا، قال: ايت موضع كذا وكذا فانظر إلى غلام اشدهم زمانة، واخبثهم ولادة، واضعفهم جسما، وشرهم غذاءا فهو ذاك، فأتى ارميا ذلك البلد فاذا هو بغلام في خان زمن ملقى على مزبلة وسط الخان، واذا لم ام تزبى بالكسر1 وتفت الكسر في القصعة، وتحلب عليه خنزيرة لها. ثم تدنيه من ذلك الغلام فيأكله. فقال ارميا: ان كان في الدنيا الذي وصفه الله فهو هذا. فدنا منه فقال له: ما اسمك؟ فقال: بخت نصر. فعرف انه هو، فعالجه حتى برأ ثم قال له، اتعرفنى؟ قال، لا، أنت رجل صالح، قال: انا ارميا نبى بنى إسرائيل أخبرنى الله انه سيسلطك على بنى إسرائيل فتقتل رجالهم وتفعل بهم وتفعل، قال: فتاه2 في نفسه في ذلك الوقت ثم قال ارميا: اكتب لى كتابا بامان منك، فكتب له كتابا وكان يخرج إلى الجبل ويحتطب ويدخل المدينة ويبيعه، فدعا إلى حرب بنى إسرائيل وكان مسكنهم في بيت المقدس، وأقبل بخت نصر فيمن أجابه نحو بيت المقدس وقد اجتمع اليه بشر كثير، فلما بلغ ارميا اقباله نحو بيت المقدس استقبله على حمار له ومعه الامان الذي كتبه له بخت نصر، فلم يصل اليه ارميا من كثرة جنوده وأصحابه فصير الامان على خشبة ورفعها، فقال: من أنت؟ فقال: انا ارميا النبى الذي بشرتك بانك سيسلطك الله على بنى إسرائيل وهذا أمانك لى، قال: أما أنت فقد أمنتك: واما اهل بيتك فانى ارمى من ههنا إلى بيت المقدس، فان وصلت رميتى إلى بيت المقدس فلا أمان لهم عندى، وان لم تصل فهم آمنون، وانتزع قوسه ورمى نحو بيت المقدس فحملت الريح النشابة3 حتى علقتها في بيت المقدس، فقال لا امان لهم عندى، فلما وافى نظر إلى جبل من تراب وسط المديند واذا دم يغلى وسطه، كلما القى اليه التراب خرج وهو يغلى، فقال: ماهذا؟ فقالوا هذا دم نبى كان لله فقتله ملوك بنى إسرائيل ودمه يغلى، وكلما القينا عليه التراب خرج يغلى، فقال بخت نصر لاقتلن بنى إسرائيل ابدا حتى يسكن هذا الدم وكان ذلك الدم دم يحيى بن زكريا عليهما السلام، وكان في زمانه ملك جبار يزنى بنساء بنى إسرائيل، وكان يمر بيحيى بن زكريا فقال له يحيى اتق الله ايها الملك لايحل لك هذا، فقالت له امراة من اللواتى كان يزنى بهن حين سكرايها الملك اقتل يحيى، فامران يؤتى براسه فاتى برأس يحيى (ع) في طشت وكان الراس يكلمه ويقول له: يا هذا اتق الله ولايحل لك هذا، ثم غلى الدم في الطشت حتى فاض إلى الأرض، فخرج يغلى ولايسكن، وكان بين قتل يحيى وخروج بخت نصر مأة سنة فلم يزل بخت نصر يقتلهم وكان يدخل قرية قرية فيقتل الرجال والنساء والصبيان وكل حيوان والدم يغلى ولا يسكن، حتى افنى من بقى منهم، ثم قال: بقى أحد في هذه البلاد؟ قالوا: عجوز في موضع كذا وكذا، فبعث اليها فضرب عنقها على الدم فسكن، وكانت آخر من بقى، ثم أتى بابل فبنى بها مدينة وأقام وحفر بئرا فالقى فيها دانيال والقى معه اللبوة4 فجعلت اللبوة تأكل طين البئر ويشرب دانيال لبنها، فلبث بذلك زمانا فأوحى الله إلى النبى الذي كان ببيت المقدس ان أذهب بهذا الطعام والشراب إلى دانيال واقرأه منى السلام، قال وأين هو يارب؟ قال في بئر بابل في موضع كذا وكذا، قال فأتاه فاطلع في البئر فقال يا دانيال قال لبيك، صوت غريب، قال ان ربك يقرئك السلام وقد بعث اليك بالطعام و الشراب فدلاه اليه5 قال فقال دانيال الحمد لله الذي لاينسى من ذكره، الحمد لله الذي لا يخيب من دعاه الحمد لله الذي من توكل عليه كفاه، الحمد لله لذى من وثق به لم يكله إلى غيره الحمد لله الذي يجزى بالاحسان احسانا، الحمد لله الذي يجزى بالصبر نجاة و الحمد لله الذي يكشف ضرنا عند كربتنا، والحمدلله الذي هو ثقتنا حين تنقطع الحيل منا، والحمدلله الذي هو رجاؤنا حين ساء ظننا بأعمالنا قال فأرى بخت نصر في نومه كأن رأسه من حديد ورجليه من نحاس وصدره من ذهب، قال فدعا المنجمين فقال لهم ما رأيت؟ فقالوا ماندرى ولكن قص علينا مارأيت فقال لهم وانا اجرى عليكم الارزاق منذ كذا وكذا ولاتدرون مارأيت في المنام؟ فأمربهم فقتلوا، قال فقال له بعض من كان عنده ان كان عند احد شئ فعند صاحب الجب فان اللبوة لم تعرض له وهى تأكل الطين وترضعه، فبعث إلى دانيال فقال: مارايت في المنام؟ فقال رأيت كأن راسك من كذا، ورجلك من كذا، وصدرك من كذا قال هكذا رايت فما ذاك؟ قال قد ذهب ملكك وانت مقتول في ثلثة ايام، يقتلك رجل من ولد فارس، قال فقال له ان على لسبع مداين على باب كل مدينة حرس، ومارضيت بذلك حتى وضعت بطة6 من نحاس على باب كل مدينة، لايدخل غريب الاصاحت عليه حتى يؤخذ، قال فقال له ان الامر كما قلت لك، قال فبث الخيل7 وقال لاتلقون احدا من الخلق الا قتلتموه كائنا من كان، وكان دانيال جالسا عنده، وقال لاتفارقنى هذه الثلثة الايام فان مضت قتلتك، فلما كان في اليوم الثالث ممسيا اخذه الغم، فخرج فتلقاه غلام كان يخدم ابنا له من اهل فارس وهو لايعلم انه من اهل فارس، فدفع اليه سيفه وقال له يا غلام لاتلقى أحدا من الخلق الا وقتلته وان لقيتنى أنا فاقتلنى فاخذ الغلام سيفه فضرب به بخت نصر ضربة فقتله، وخرج ارميا على حماره ومعه تين قد تزوده، وشئ من عصير، فنظر إلى سباع البر وسباع البحر وسباع الجو تأكل تلك الجيف، ففكر في نفسه ساعه ثم قال أنى يحيى الله هؤلاء8 وقد أكلتهم السباع، فأماته الله مكانه مأة عام ثم بعثه اى أحياه فلما رحم الله بنى إسرائيل وأهلك بخت نصر رد بنى إسرائيل إلى الدنيا، وكان عزير لما سلط الله بخت نصر على بنى إسرائيل هرب ودخل في عين وغاب فيها، وبقى ارميا ميتا مأة سنة ثم أحياه الله، فأول ما أحيى منه عينيه في مثل غرقئ البيض فنظر فاوحى الله اليه كم لبثت قال لبثت يوما) ثم نظر إلى الشمس قد ارتفعت فقال (أو بعض يوم) فقال الله تبارك وتعالى (قد لبثت مأة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه) اى لم يتغير (وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما) فجعل ينظر إلى العظام البالية المنفطرة تجتمع اليه، والى اللحم الذي قد أكلته السباع يتألف إلى العظام من هنا وهيهنا، ويلتزق بها حتى قام وقام حماره، فقال (اعلم ان الله على كل شئ قدير). 1086 - في تفسير العياشى عن على بن محمد العلوى عن على بن مرزوق عن إبراهيم بن محمد قال: ذكر جماعة من أهل العلم ان ابن الكوا قال لعلى عليه السلام يا امير - المؤمنين ما ولد أكبر من أبيه من أهل الدنيا؟ قال نعم أولئك ولد عزير حيث مر على قرية خربة وقدجاء من ضيعة له تحته حمار، ومعه سلة9 فيهاتين وكوز فيه عصير، فمر على قرية خربة فقال: (انى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مأة عام) فتوالد ولده وتناسلوا ثم بعث الله اليه فأحياه في المولد الذي أماته فيه، فاولئك ولده أكبر من ابيهم |
||
(1) زبى اللحم: نثره في الزبية، والزبية: حفيرة يشتوى فيها ويخبز. والكسر - كعنب - جمع الكسرة. الخبز المتكسر اليابس.
|