تفسير نور الثقلين

سورة البقرة

84 - 86

تابع
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ (86)

271 - في تفسير على بن إبراهيم قوله (واذاخذنا ميثاقكم لاتسفكون دماءكم ولاتخرجون انفسكم من دياركم ثم اقررتم وانتم تشهدون) فانها نزلت في أبى ذر (ره) وعثمان بن عفان، وكان سبب ذلك لما أمر عثمان بنفى ابى ذر (ره) إلى الربذة دخل عليه ابو ذر رضى الله عنه وكان عليلا متوكئا على عصاه، وبين يدى عثمان مأة ألف درهم قد حملت اليه من بعض النواحى، واصحابه حوله ينظرون اليه ويطمعون أن يقسمها فيهم، فقال أبوذر لعثمان، ما هذا المال ؟ فقال عثمان: مأة ألف درهم حملت إلى من بعض النواحى، اريد ان اضم اليها مثلها، ثم ارى فيها رأيى فقال ابوذر، يا عثمان ايما اكثر مائة ألف درهم او اربعة دنانير ؟ فقال عثمان: بل مأة ألف درهم، فقال ابوذر: اما تذكر انا وانت قد دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وآله عشاءا فرايناه كئيبا حزينا فسلمنا عليه، فلم يرد علينا السلام، فلما اصبحنا اتيناه فرايناه ضاحكا مستبشرا فقلنا له: بآبائنا وامهاتنا دخلنا عليك البارحة فرايناك كئيبا حزينا ثم عدنا اليك اليوم فرايناك ضاحكا مستبشرا ؟ فقال: نعم كان قد بقى عندى من فئ المسلمين اربعة دنانير، لم اكن قسمتها وخفت أن يدركنى الموت وهو عندى وقد قسمتها اليوم فاسترحت منها، فنظر عثمان إلى كعب الاحبار وقال له: يا ابا اسحق ما تقول في رجل ادى زكوة ماله المفروضة هل يجب عليه فيما بعد ذلك شئ فقال: لاولو اتخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضة ما وجب عليه شئ، فرفع ابوذر عصاه فضرب بها راس كعب ثم قال له: يا ابن اليهودية الكافرة ما انت والنظر في احكام المسلمين قول الله اصدق من قولك حيث قال: والذين يكنزون الذهب وألفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكنزون فقال عثمان: يا اباذر انك شيخ قد خرفت وذهب عقلك، ولولا صحبتك لرسول الله صلى الله عليه وآله لقتلتك، فقال: كذبت يا عثمان اخبرنى حبيبى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: [ لايفتنونك يا باذرو ]1 لايقتلونك، واما عقلى فقد بقى منه ما احفظ حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله فيك وفى قومك، قال: وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله في وفى قومى قال سمعته صلى الله عليه وآله يقول إذا بلغ آل ابى العاص ثلثين رجلا صيروا مال الله دولا وكتاب الله دغلا، وعباده خولا2 وألفاسقين حزبا، والصالحين حربا، فقال عثمان: يا معشر اصحاب محمد صلى الله عليه وآله هل سمع احد منكم هذا من رسول الله فقالوا: لاما سمعنا هذا من رسول الله: فقال عثمان: ادع عليا فجاء أمير المؤمنين عليه السلام فقال له عثمان: يا ابا الحسن انظر ما يقول هذا الشيخ الكذاب فقال أمير المؤمنين عليه السلام، مه يا عثمان لاتقل كذاب، فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ما اظلت الخضراء ولا اقلت الغبراء3 على ذى لهجة اصدق من ابى ذر، فقال اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله: صدق ابوذر فقد سمعنا هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله، فبكى ابوذر عند ذلك فقال: ويلكم كلكم قد مد عنقه إلى هذا المال ظننتم انى اكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله ثم نظر اليهم فقال: من خيركم ؟ فقالوا: انت تقول انك خيرنا، قال نعم خلفت حبيبى رسول الله صلى الله عليه وآله في هذه الجبة وهى على بعد وانتم قد احدثتم احداثا كثيرة، والله سائلكم عن ذلك ولايسألنى، فقال عثمان: ياباذر اسئلك بحق رسول الله صلى الله عليه وآله الا ما اخبرتنى عن شئ اسئلك عنه، فقال ابوذر، والله لولم تسألنى بحق رسول الله صلى الله عليه وآله لما اخبرتك، فقال اى البلاد احب اليك ان تكون فيها فقال: مكة حرم الله وحرم رسوله اعبد الله فيها حتى ياتينى الموت فقال: لا ولاكرامة لك قال: المدينة حرم رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لا ولاكرامة لك، قال: فسكت أبوذر فقال عثمان: أى البلاد أبغض اليك أن تكون فيها ؟ قال: الربذة التي كنت فيها على غير دين الاسلام، فقال عثمان، سر اليها فقال أبوذر: قد سألتنى فصدقتك وأنا اسئلك فاصدقنى ؟ قال: نعم، قال أبوذر، أخبرنى لوبعثتنى في بعث اصحابك إلى المشركين فأسرونى فقالوا: لانفديه الابثلث ما تملك ؟ قال: كنت أفديك. قال: فان قالوا: لانفديه الا بنصف ما تملك ؟ قال: كنت افديك قال فان قالوا: لانفديه الا بكل ما تملك ؟ قال: كنت أفديك قال أبوذر، الله اكبر قال لى حبيبى رسول الله صلى الله عليه وآله يوما، ياباذر كيف انت اذاقيل لك اى البلاد أحب اليك أن تكون فيها ؟ فتقول، مكة حرم الله ورسوله أعبد الله فيها حتى يأتينى الموت، فيقال لك، لا ولاكرامة لك، فتقول: فالمدينة حرم رسول الله صلى الله عليه وآله فيقال لك، لاولا كرامة لك، ثم يقال لك، فأى البلاد أبغض اليك أن تكون فيها ؟ فتقول: الربذة التي كنت فيها على غير دين الاسلام، فيقال لك: سر اليها، فقلت: ان هذا لكاين يا رسول الله ؟ فقال: اى والذى نفسى بيده انه لكائن فقلت يا رسول الله أفلا أضع سيفى هذا على عاتقى فاضرب به قدما قدما ؟ قال: لا، اسمع واسكت ولو لعبد حبشى، وقد أنزل الله فيك وفى عثمان آية فقلت: وما هى يا رسول الله ؟ قال قوله تبارك وتعالى، (واذاخذنا ميثاقكم لاتسفكون دماءكم ولاتخرجون أنفسكم من دياركم ثم اقررتم وأنتم تشهدون ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من دياركم تظاهرون عليهم بالاثم والعدوان وان يأتوكم اسارى تفادوهم وهم محرم عليكم اخراجهم افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الاخزى في الحيوة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون.

العودة إلى القائمة

التالي

(1) ما بين المعقفتين غير موجود في المصدر.
(2) الخول: العبيد يعنى انهم يستخدمونهم ويستعبدونهم.
(3) المراد بالخضراء: السماء لانها تعطعى الخضرة وبالغبراء: الأرض لانها تعطى الغبرة في لونها. وأقلت اى حملت.