تفسير نور الثقلين

سورة البقرة

102 - 103

وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ (103)

294 - في عيون الأخبار حدثنا محمد بن القاسم المفسر المعروف بابى الحسن الجرجانى رضى الله عنه قال: حدثنا يوسف بن محمد بن زياد وعلى بن محمد بن سيار عن أبويهما عن الحسن ابن على عن أبيه على بن محمد عن أبيه محمد بن على عن أبيه الرضا على بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه الصادق جعفر بن محمد عليهم السلام في قول الله تعالى واتبعوا ماتتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان قال اتبعوا ما تتلو كفرة الشياطين من السحر والنير نجات على ملك سليمان الذين يزعمون ان سليمان به ملك ونحن ايضا به نظهر العجايب حتى ينقاد لنا الناس وقالوا: كان سليمان كافرا ساحرا ماهرا بسحره ملك ماملك، وقدر على ماقدر، فردالله عز وجل عليهم، فقال: (وما كفر سليمان) ولااستعمل السحر كما قال هؤلاء الكافرون ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر الذي نسبوه إلى سليمان والى ما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وكان بعد نوح عليه السلام قد كثر السحرة والمموهون - فبعث الله تعالى ملكين إلى نبى ذلك الزمان بذكر مايسحربه السحرة، وذكر ما يبطل به سحرهم، ويرد به كيدهم، فتلقاه النبى عن الملكين واداه إلى عبادالله بامرالله عز وجل وامرهم ان يقفوا به على السحرة، وأن يبطلوه، ونهاهم ان يسحروا به الناس، وهذا كما يدل على السم ماهو وعلى مايدفع به غايلة السم، ثم قال عز وجل: وما يعلمان من احد حتى يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر يعنى ان ذلك النبى عليه السلام أمر الملكين ان يظهر اللناس بصورة بشرين ويعلماهم ماعلمهم الله من ذلك، فقال الله عز وجل: (وما يعلمان من احد) ذلك السحر وابطاله (حتى يقولا) للمتعلم (انما نحن فتنة) وامتحان للبلاء ليطيعوا الله فيما يتعلمون من هذا ويبطلوا به كيد السحرة، ولايسحروهم (فلا تكفر) باستعمال هذا السر وطلب الاضراربه، ودعا الناس إلى أن يعتقدوا انك به تحيى وتميت وتفعل مالا يقدر عليه الا الله عز وجل، فان ذلك كفر قال الله تعالى فيتعلمون يعنى طالبى السحر منهما يعنى مما كتبت الشياطين على ملك سليمان من النير نجات وما أنزل إلى الملكين ببابل هاروت وماروت، يتعلمون من هذين الصنفين مايفرقون به بين مرءوزوجه هذا من يتعلم للاضرار بالناس يتعلمون التضريب بضروب الحيل والتمائم والايهام وانه قد دفن في موضع كذا وكذا وعمل كذا لتحبب المرأة إلى الرجل و الرجل إلى المرأة او يؤدى إلى ألفراق بينهما ثم قال عز وجل وماهم بضارين به من احد الاباذن الله اى ما المتعلمون لذلك بضارين به من أحد الاباذن الله، يعنى بتخلية الله وعلمه وانه لوشاء لمنعهم بالجبر والقهر ثم قال: ويتعلمون مايضرهم ولاينفعهم لانهم إذا تعلموا ذلك السحر ليسحروا به ويضروا فقد تعلموا مايضرهم في دينهم ولاينفعهم فيه بل ينسلخون عن دين الله بذلك ولقد علم هولاء المتعلمون لمن اشتراه بدينه الذي ينسلخ عنه بتعلمه ماله في الاخرة من خلاق اى من نصيب في ثواب الجنة ثم قال تعالى: ولبئس ماشروا به انفسهم ورهنوها بالعذاب لو كانوا يعلمون انهم قدباعوا الاخرة وتركوا نصيبهم من الجنة لان المتعلمين لهذا السحر الذين يعتقدون ان لارسول ولا اله ولا بعث ولانشور، فقال: (ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الاخرة من خلاق لانهم يعتقدون انها إذا لم يكن آخرة فلا خلاق لهم في دار بعد الدنيا وان كانت بعد الدنيا آخرة فهم مع كفرهم بها لاخلاق لهم فيها، ثم قال: (ولبئس ماشروا به أنفسهم) اذباعوا الاخرة بالدنيا، ورهنوا بالعذاب الدائم أنفسهم لو كانوا يعلمون انهم قد باعوا انفسهم بالعذاب، ولكن لايعلمون ذلك لكفرهم به، فلما تركوا النظر في حجج الله حتى تعلموا عذبهم على اعتقادهم الباطل، وجحدهم الحق. قال يوسف بن محمد بن زياد وعلى بن محمد بن سيار عن أبويهما انهما قالا. فقلنا للحسن أبى القاسم عليه السلام فان قوما عندنا يزعمون ان هاروت وماروت ملكان اختارتهما الملائكة لما كثر عصيان بنى آدم، وانزلهما مع ثالث لهما إلى الدنيا، وانهما افتتنا بالزهرة واراد الزنا بها وشربا الخمر وقتلا النفس المحرمة، وان الله عز وجل يعذبهما ببابل وان السحرة منهما يتعلمون السحر وان الله تعالى مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الذي هو الزهرة، فقال الامام عليه السلام: معاذ الله من ذلك ان الملائكة معصومون محفوظون من الكفر والقبايح بألطاف الله تعالى، قال الله تعالى فيهم: (لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يأمرون) وقال عز وجل، (وله من في السموات والارض ومن عنده) يعنى من الملائكة (لايستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون * يسبحون الليل والنهار لايفترون) وقال الله تعالى في الملائكة ايضا. (بل عباد مكرمون لايسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون * يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون) ثم قال عليه السلام، لو كان كما يقولون كان الله قد جعل هؤلاء الملائكة خلفاؤه على الأرض، وكانوا كالانبياء في الدنيا وكالائمة أفيكون من الأنبياء والائمة عليهم السلام قتل النفس والزنا ؟ ثم قال عليه السلام: اولست تعلم ان الله تعالى لم تخل الدنيا قط من نبى او امام من البشر، أو ليس الله يقول: (وما ارسلنا من قبلك) يعنى إلى الخلق الارجالا نوحى اليهم من أهل القرى، فاخبر أنه لم يبعث الملائكة إلى الأرض ليكونوا أئمة وحكاما، وانما أرسلوا إلى أنبياء الله، قالا، فقلنا له، فعلى هذا لم يكن إبليس ايضا ملكا ؟ فقال لا: بل كان من الجن أما تسمعان الله عز وجل يقول: (واذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا الا إبليس كان من الجن) فأخبر الله عز وجل انه كان من الجن، وهو الذي قال الله تبارك وتعالى، (والجان خلقناه من قبل من نار السموم).

يتبع...

العودة إلى القائمة

التالي