مجمع البيان

سورة المدثر

11 - 31

ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَّمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)

اللغة

التمهيد و التوطئة و التذليل و التسهيل نظائر و العنيد الذاهب عن الشيء على طريق العداوة له يقال عند العرق يعند عنودا فهو عاند إذا نفر و المعاندة منافرة المضادة و كذلك العناد و بعير عنود أي نافر قال الشاعر:

إذا نزلت فاجعلوني وسطا      إني كبير لا أطيق العندا

و الإرهاق الإعجاز بالعنف و الصعود العقبة التي يصعب صعودها و هي الكؤود و عبس يعبس عبوسا إذا قبض وجهه و العبوس و التكليح و التقطيب نظائر و ضدها الطلاقة و البشاشة و البسور بدو التكره في الوجه و أصله من بسر بالأمر إذا عجل به و منه البسر لتعجيل حاله قبل الإرطاب قال توبة:

و قد رابني منها صدود رأيته      و إعراضها عن حاجتي و بسورها

و الإصلاء إلزام موضع النار يقال أصليته فاصطلى و سقر اسم من أسماء جهنم لم يصرف للتأنيث و التعريف و أصله من سقرته الشمس سقرا إذا ألمت دماغه و الإبقاء ترك شيء مما أخذ و التلويح تغيير اللون إلى الاحمرار و لوحته الشمس تلويحا فهي لواحة على المبالغة و البشر جمع بشرة و هي ظاهر الجلد و منه سمي الإنسان بشرا لأنه ظاهر الجلد بتعريه من الوبر و الريش و الصوف الذي يكون في غيره من الحيوان.

الإعراب

وحيدا منصوب على الحال و هو على وجهين أحدهما أن يكون من صفة الله أي ذرني و من خلقته وحدي و الآخر أن يكون من صفة المخلوق.

النزول

نزلت الآيات في الوليد بن المغيرة المخزومي و ذلك أن قريشا اجتمعت في دار الندوة فقال لهم الوليد إنكم ذوو أحساب و ذوو أحلام و إن العرب يأتونكم فينطلقون من عندكم على أمر مختلف فاجمعوا أمركم على شيء واحد ما تقولون في هذا الرجل قالوا نقول إنه شاعر فعبس عندها و قال قد سمعنا الشعر فما يشبه قوله الشعر فقالوا نقول إنه كاهن قال إذا تأتونه فلا تجدونه يحدث بما تحدث به الكهنة قالوا نقول إنه لمجنون فقال إذا تأتونه فلا تجدونه مجنونا قالوا نقول إنه ساحر قال و ما الساحر فقالوا بشر يحببون بين المتباغضين

و يبغضون بين المتحابين قال فهو ساحر فخرجوا فكان لا يلقى أحد منهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا قال يا ساحر يا ساحر و اشتد عليه ذلك فأنزل الله تعالى أيها المدثر إلى قوله «إلا قول البشر» عن مجاهد و يروى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أنزل عليه حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب و قابل التوب شديد العقاب قام إلى المسجد و الوليد بن المغيرة قريب منه يسمع قراءته فلما فطن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لاستماعه لقراءته أعاد قراءة الآية فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه بني مخزوم فقال و الله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس و لا من كلام الجن و إن له لحلاوة و إن عليه لطلاوة و إن أعلاه لمثر و إن أسفله لمغدق و إنه ليعلو و ما يعلى ثم انصرف إلى منزله فقال قريش صبا و الله و الوليد و الله لتصبان قريش كلهم و كان يقال للوليد ريحانة قريش فقال لهم أبو جهل أنا أكفيكموه فانطلق فقعد إلى جانب الوليد حزينا فقال لي ما أراك حزينا يا ابن أخي قال هذه قريش يعيبونك على كبر سنك و يزعمون أنك زينت كلام محمد فقام مع أبي جهل حتى أتى مجلس قومه فقال أ تزعمون أن محمدا مجنون فهل رأيتموه يخنق قط فقالوا اللهم لا قال أ تزعمون أنه كاهن فهل رأيتم عليه شيئا من ذلك قالوا اللهم لا قال أ تزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه أنه بنطق بشعر قط قالوا اللهم لا قال أ تزعمون أنه كذاب فهل جربتم عليه شيئا من الكذب فقالوا اللهم لا و كان يسمى الصادق الأمين قبل النبوة من صدقه فقالت قريش للوليد فما هو فتفكر في نفسه ثم نظر و عبس فقال ما هو إلا ساحر ما رأيتموه يفرق بين الرجل و أهله و ولده و مواليه فهو ساحر و ما يقوله سحر يؤثر.

يتبع...

العودة إلى القائمة

التالي