مجمع البيان

سورة الشعراء

221 - 227

هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ (226) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ (227)

القراءة

قرأ نافع يتبعهم ساكنة التاء و الباقون «يتبعهم».

الحجة

الوجهان حسنان يقال تبعت القوم و اتبعتهم اتبعهم.

اللغة

الأفاك الكذاب و أصل الإفك القلب و الأفاك الكثير القلب للخبر عن جهة الصدق إلى جهة الكذب و الأثيم الفاعل للقبيح يقال أثم يأثم إثما إذا ارتكب القبيح و تأثم إذا ترك الإثم و الهائم الذاهب على وجهه عن الكسائي و قيل هو المخالف للقصد عن أبي عبيدة.

الإعراب

انتصب قوله أي «منقلب» لأنه صفة مصدر محذوف و تقديره سيعلم الذين ظلموا انقلابا أي انقلاب ينقلبون و لا يجوز أن يكون معمول سيعلم لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله و إنما يعمل فيه ما بعده و العلة في ذلك الاستخبار قبل الخبر و رتبة الاستخبار

التقديم فلا يجوز أن يعمل فيه الخبر لأن الخبر بعده و ذلك أنه موضوع على أنه جواب مستخبر.

المعنى

لما أخبر الله سبحانه أن القرآن ليس مما تتنزل به الشياطين و أنه وحي من الله عقبه بذكر من تنزل عليه الشياطين فقال «هل أنبئكم» أي هل أخبركم «على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم» أي إنما يتنزل الشياطين على كل كذاب فاجر عامل بالمعاصي و هم الكهنة و قيل طليحة و مسيلمة عن مقاتل و لست بكذاب و لا أثيم فلا يتنزل عليك الشياطين و إنما يتنزل عليك الملائكة «يلقون السمع» معناه أن الشياطين يلقون ما يسمعونه إلى الكهنة و الكذابين و يخلطون به كثيرا من الأكاذيب و يوحونه إليهم «و أكثرهم» أي و أكثر الشياطين «كاذبون» و قيل أكثر الكهنة كاذبون قال الحسن هم الذين يسترقون السمع من الملائكة فيلقون إلى الكهنة و هذا كان قبل أن أوحي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و بعد ذلك فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا «و الشعراء يتبعهم الغاوون» قال ابن عباس يريد شعراء المشركين و ذكر مقاتل أسماءهم فقال منهم عبد الله بن الزبعري السهمي و أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب و هبيرة بن أبي وهب المخزومي و مسافع بن عبد مناف الجمحي و أبو عزة عمرو بن عبد الله كلهم من قريش و أمية بن أبي الصلت الثقفي تكلموا بالكذب و الباطل و قالوا نحن نقول مثل ما قال محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و قالوا الشعر و اجتمع إليهم غواة من قومهم يستمعون أشعارهم و يروون عنهم حين يهجون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أصحابه فذلك قوله «يتبعهم الغاوون» و قيل الغاوون الشياطين عن قتادة و مجاهد و قيل أراد بالشعراء الذين غلبت عليهم الأشعار حتى اشتغلوا بها عن القرآن و السنة و قيل هم الشعراء الذين إذا غضبوا سبوا و إذا قالوا كذبوا و إنما صار الأغلب عليهم الغي لأن الغالب عليهم الفسق فإن الشاعر يصدر كلامه بالتشبيب ثم يمدح للصلة و يهجو على حمية الجاهلية فيدعوه ذلك إلى الكذب و وصف الإنسان بما ليس فيه من الفضائل و الرذائل و قيل إنهم القصاص الذين يكذبون في قصصهم و يقولون ما يخطر ببالهم و في تفسير علي بن إبراهيم أنهم الذين يغيرون دين الله تعالى و يخالفون أمره قال و هل رأيتم شاعرا قط تبعه أحد إنما عنى بذلك الذين وضعوا دينا بآرائهم فتبعهم الناس على ذلك و روى العياشي بالإسناد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال هم قوم تعلموا و تفقهوا بغير علم فضلوا و أضلوا «أ لم تر أنهم في كل واد يهيمون» أي في كل فن من الكذب يتكلمون و في كل لغو يخوضون يمدحون و يذمون بالباطل عن ابن عباس و قتادة و المعنى أنهم لما يغلب عليهم من الهوى كالهائم على وجهه في كل واد يعني فيخوضون في كل فن من الكلام و المعاني التي تعن لهم و يريدونها فالوادي مثل لفنون الكلام و هيمانهم فيه

قولهم على الجهل بما يقولون من لغو و باطل و غلو في مدح و ذم «و أنهم يقولون ما لا يفعلون» أي يحثون على أشياء لا يفعلونها و ينهون عن أشياء يرتكبونها ثم استثنى من جملتهم فقال «إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات» و هم شعراء المؤمنين مثل عبد الله بن رواحة و كعب بن مالك و حسان بن ثابت و سائر شعراء المؤمنين الذين مدحوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و ردوا هجاء من هجاه و في الحديث عن الزهري قال حدثني عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال يا رسول الله ما ذا تقول في الشعر فقال إن المؤمن مجاهد بسيفه و لسانه و الذي نفسي بيده لكأنما ينضحونهم بالنبل و قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لحسان بن ثابت اهجهم أو هاجهم و روح القدس معك رواه البخاري و مسلم في الصحيحين و قال الشعبي كان أبو بكر يقول الشعر و كان عمر يقول الشعر و كان (عليه السلام) أشعر من الثلاثة «و ذكروا الله كثيرا» لم يشغلهم الشعر عن ذكر الله و لم يجعلوا الشعر همهم «و انتصروا» من المشركين للرسول و المؤمنين «من بعد ما ظلموا» قال الحسن انتصروا بما يحبون الانتصار به في الشريعة و هو نظير قوله لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم أي ردوا على المشركين ما كانوا يهجون به المؤمنين ثم هدد الظالمين فقال «و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون» أي سوف يعلم أي مرجع يرجعون و أي منصرف ينصرفون لأن منصرفهم إلى النار نعوذ بالله منها.

العودة إلى القائمة

النهاية