الميزان في تفسير القرآن |
سورة الأعراف |
10 - 25 |
تابع |
||
و في ما تقدم من معنى جريان حكم العقل النظري و العملي في ناحيته تعالى آيات كثيرة ففي القسم الأول كقوله تعالى: «الحق من ربك فلا تكن من الممترين»: آل عمران: 60 و لم يقل: الحق مع ربك لأن القضايا الحقة و الأحكام الواقعية مأخوذة من فعله لا متبوعة له في عمله حتى يتأيد بها مثلنا، و قوله: «و الله يحكم لا معقب لحكمه»: الرعد: 41، فله الحكم المطلق من غير أن يمنعه مانع عقلي أو غيره فإن الموانع و المعقبات إنما تتحقق بفعله و هي متأخرة عنه لا حاكمة أو مؤثرة فيه، و قوله: «و هو الواحد القهار»: الرعد 16، و قوله: «و الله غالب على أمره»: يوسف: 21، و قوله: «إن الله بالغ أمره»: الطلاق: 3، فهو القاهر الغالب البالغ الذي لا يقهره شيء و لا يغلب عن شيء و لا يحول بينه و بين أمره حائل يزاحمه، و قوله: «ألا له الخلق و الأمر»: الأعراف: 54، إلى غير ذلك من الآيات المطلقة التي ليس دونها مقيد. نعم يجري في أفعاله الحكم العقلي لتشخيص الخصوصيات و كشف المجهولات لا لأن يكون متبوعا بل لأنه تابع لازم مأخوذ من سنته في فعله الذي هو نفس الواقع الخارج، و يدل على ذلك جميع الآيات التي تحيل الناس إلى التعقل و التذكر و التفكر و التدبر و نحوها فلو لا أنها حجة فيما أفادته لم يكن لذلك وجه. و في القسم الثاني: نحو قوله: «استجيبوا لله و للرسول إذا دعاكم لما يحييكم»: الأنفال: 24، يدل على أن في العمل بالأحكام مصلحة الحياة السعيدة، و قوله: «قل إن الله لا يأمر بالفحشاء»: الأعراف: 28، و ظاهره أن ما هو فحشاء في نفسه لا يأمر به الله لا أن الله لو أمر بها لم تكن فحشاء، و قوله: «لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم»: لقمان: 13، و آيات كثيرة أخرى تعلل الأحكام المجعولة بمصالح موجودة فيها كالصلاة و الصوم و الصدقات و الجهاد و غير ذلك لا حاجة إلى نقلها. بحث روائي في تفسير العياشي، عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الملائكة كانوا يحسبون أن إبليس منهم و كان في علم الله أنه ليس منهم فاستخرج الله ما في نفسه بالحمية فقال: «خلقتني من نار و خلقته من طين». و في الدر المنثور، أخرج أبو نعيم في الحلية و الديلمي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أول من قاس أمر الدين برأيه إبليس، قال الله تعالى له: اسجد لآدم، فقال: أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين. قال جعفر: فمن قاس أمر الدين برأيه قرنه الله تعالى يوم القيامة بإبليس لأنه اتبعه بالقياس. و في الكافي، بإسناده عن عيسى بن عبد الله القرشي قال: دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له: يا أبا حنيفة بلغني أنك تقيس. قال: نعم، أنا أقيس. قال: لا تقس فإن أول من قاس إبليس حين قال: خلقتني من نار و خلقته من طين. و في العيون، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): أن إبليس أول من كفر و أنشأ الكفر: أقول: و رواه العياشي عن الصادق (عليه السلام). و في الكافي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث:، أن أول معصية ظهرت الأنانية من إبليس. أقول: و قد تقدم بيانه. و في تفسير القمي، عن الصادق (عليه السلام): الاستكبار هو أول معصية عصي الله بها. أقول: قد ظهر مما تقدم من البيان أن مرجعه إلى الأنانية كما في الحديث المتقدم. و في النهج،: من خطبة له (عليه السلام) في صفة خلق آدم: و استأدى الله سبحانه الملائكة وديعته لهم، و عهد وصيته إليهم في الإذعان بالسجود له و الخشوع لتكرمه فقال سبحانه: اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس و جنوده اعترتهم الحمية، و غلبت عليهم الشقوة. الخطبة. أقول: و فيها تعميم الأمر بالسجدة لجنود إبليس كما يعم نفسه، و فيه تأييد ما تقدم أن آدم إنما جعل مثالا يمثل به الإنسانية من غير خصوصية في شخصه، و إن مرجع القصة إلى التكوين. و في المجمع، عن الباقر (عليه السلام) في معنى قوله: «ثم لآتينهم من بين أيديهم و من خلفهم - و عن أيمانهم و عن شمائلهم» الآية «من بين أيديهم» أهون عليهم الآخرة «و من خلفهم» آمرهم بجمع الأموال و منعها عن الحقوق لتبقى لورثتهم «و عن أيمانهم» أفسد عليهم أمر دينهم بتزيين الضلالة و تحسين الشبهة «و عن شمائلهم» بتحبيب اللذة و تغليب الشهوات على قلوبهم. و في تفسير العياشي، عن الصادق (عليه السلام): و الذي بعث محمدا للعفاريت و الأبالسة على المؤمن أكثر من الزنابير على اللحم. و في المعاني، عن الرضا (عليه السلام): أنه سمي إبليس لأنه أبلس من رحمة الله. و في تفسير القمي، حدثني أبي رفعه قال: سئل الصادق (عليه السلام) عن جنة آدم من جنان الدنيا كانت أم من جنان الآخرة؟ فقال: كانت من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس و القمر، و لو كانت من جنان الآخرة ما خرج منها أبدا. قال: فلما أسكنه الله تعالى الجنة و أباحها له إلا الشجرة لأنه خلق خلقة لا تبقى إلا بالأمر و النهي و الغذاء و اللباس و الاكتنان و النكاح، و لا يدرك ما ينفعه مما يضره إلا بالتوفيق فجاءه إبليس فقال له: إنكما إن أكلتما من هذه الشجرة التي نهاكما الله عنها صرتما ملكين و بقيتما في الجنة أبدا، و إن لم تأكلا منها أخرجكما الله من الجنة، و حلف لهما أنه لهما ناصح كما قال الله عز و جل حكاية عنه: «ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين - أو تكونا من الخالدين، و قاسمهما إني لكما لمن الناصحين» فقبل آدم قوله فأكلا من الشجرة فكان كما حكى الله: «بدت لهما سوآتهما» و سقط عنهما ما ألبسهما الله تعالى من لباس الجنة، و أقبلا يستتران من ورق الجنة، و ناداهما ربهما أ لم أنهكما عن تلكما الشجرة - و أقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين فقالا كما حكى الله عنها: «ربنا ظلمنا أنفسنا - و إن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين» فقال الله لهما: «اهبطوا بعضكم لبعض عدو - و لكم في الأرض مستقر و متاع إلى حين» قال: إلى يوم القيامة. و في الكافي، عن علي بن إبراهيم روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما خرج آدم من الجنة نزل عليه جبرئيل فقال: يا آدم أ ليس خلقك الله بيده، و نفخ فيك من روحه، و أسجد لك ملائكته، و زوجك حواء أمته، و أسكنك الجنة و أباحها لك و نهاك مشافهة أن تأكل من هذه الشجرة فأكلت منها و عصيت الله؟ فقال آدم: يا جبرئيل إن إبليس حلف لي بالله أنه لي ناصح فما ظننت أن أحدا من خلق الله يحلف بالله كاذبا. أقول: و قد تقدمت عدة من روايات القصة في سورة البقرة و سيأتي إن شاء الله بعضها في مواضع أخر مناسبة لها. و في تفسير القمي، عن الصادق (عليه السلام) في حديث: فقال إبليس: يا رب فكيف و أنت العدل الذي لا يجور فثواب عملي بطل؟ قال: لا، و لكن سلني من أمر الدنيا ما شئت ثوابا لعملك أعطك. فأول ما سأل: البقاء إلى يوم الدين فقال الله: و قد أعطيتك. قال: سلطني على ولد آدم. قال: سلطتك. قال: أجرني فيهم مجرى الدم في العروق. قال: قد أجريتك. قال: لا يولد لهم ولد إلا ولد لي اثنان و أراهم و لا يروني و أتصور لهم في كل صورة شئت. فقال: قد أعطيتك. قال: يا رب زدني. قال: قد جعلت لك و لذريتك صدورهم أوطانا. قال: رب حسبي. قال إبليس عند ذلك: فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين. أقول: تقدم ما يتضح به معنى الحديث، و قوله: «أتصور لهم في كل صورة شئت» لا يدل على أزيد من أن له يتصرف في حاسة الإنسان بظهوره في أي صورة شاء عليها، و أما تغير ذاته في نفسه كيفما شاء و أراد فلا. و الذي ذكره بعضهم: أن أهل العلم أجمعوا على أن إبليس و ذريته من الجن و أن الجن أجسام لطيفة هوائية تتشكل بأشكال مختلفة حتى الكلب و الخنزير، و أن الملائكة أجسام لطيفة تتشكل بأشكال مختلفة إلا الكلب و الخنزير - و كأنهم يريدون بذلك تغيرهم في ذواتهم - لا دليل عليه من نقل ثابت أو عقل، و أما ما ادعي من الإجماع و مآله إلى الاتفاق في الفهم فلا حجية لمحصله فضلا عن منقوله، و المأخذ في ذلك من الكتاب و السنة ما عرفت. و كذا حديث ذريته و كثرتهم لا يتحصل منه إلا أن لها كثرة في العدد تنشعب من إبليس نفسه، و أما كيف ذلك؟ و هل هو بطريق التناسل المعهود بيننا أو بنحو البيض و الإفراخ أو بنحو آخر لا سبيل لنا إلى فهمه فمما هو مجهول لنا. نعم هناك روايات معدودة تذكر أنه ينكح نفسه و يبيض و يفرخ أو أن له في فخذيه عضوا التناسل الموجودان في الذكر و الأنثى فينكح بهما نفسه و يولد له كل يوم عشرة و أما ولده فكلهم ذكران لا توالد بينهم أو توالدهم بالازدواج نظير الحيوان فكل ذلك مما لا دليل عليه إلا بعض الآحاد من الأخبار و هي ضعاف و مراسيل و مقاطيع و موقوفات لا يعول عليها و خاصة في أمثال هذه المسائل مما لا اعتماد فيها إلا على آية محكمة أو حديث متواتر أو محفوف بقرينة قطعية، و ليست ظاهرة الانطباق على القرآن الكريم حتى تصحح بذلك. و في الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما من قلب إلا و له أذنان على إحداهما ملك مرشد، و على الأخرى شيطان مفتن هذا يأمره، و هذا يزجره، الشيطان يأمره بالمعاصي، و الملك يزجره عنها، و ذلك قول الله عز و جل: «عن اليمين و عن الشمال قعيد - ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد». و في البحار،: الشهاب: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم و في صحيح مسلم، عن ابن مسعود: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ما من أحد إلا و قد وكل به قرينه من الجن. قالوا: و إياك يا رسول الله؟ قال: و إياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير. أقول: و قوله: «فأسلم» أخذه بعضهم بضم الميم و بعضهم بالفتح. و في تفسير العياشي، عن جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن إبليس أ كان من الملائكة أو كان يلي شيئا من أمر السماء؟ فقال: لم يكن من الملائكة و كانت الملائكة ترى أنه منها، و كان الله يعلم أنه ليس منها، و لم يكن يلي شيئا من أمر السماء و لا كرامة. فأتيت الطيار فأخبرته بما سمعت فأنكر و قال: كيف لا يكون من الملائكة؟ و الله يقول للملائكة: «اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس» فدخل عليه الطيار فسأله و أنا عنده فقال له قول الله عز و جل: «يا أيها الذين آمنوا» في غير مكان في مخاطبة المؤمنين أ يدخل في هذه المنافقون؟ قال: نعم يدخل في هذه المنافقون و الضلال و كل من أقر بالدعوة الظاهرة. أقول: و في الحديث رد ما روي أنه كان من الملائكة و أنه كان خازنا في السماء الخامسة أو خازن الجنة. و اعلم أن الأخبار الواردة من طرق الشيعة و أهل السنة في أنحاء تصرفاته أكثر من أن تحصى، و هي على قسمين: أحدهما: ما يذكر تصرفا منه من غير تفسير، و الثاني: ما يذكره مع تفسير ما. فمن القسم الأول: ما في الكافي، عن علي (عليه السلام): لا تؤووا منديل اللحم في البيت فإنه مربض الشيطان، و لا تؤووا التراب خلف الباب فإنه مأوى الشيطان. و فيه، عن الصادق (عليه السلام): أن على ذروة كل جسر شيطانا فإذا انتهيت إليه فقل: بسم الله يرحل عنك. و فيه، عن علي (عليه السلام) قال رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بيت الشيطان في بيوتكم بيت العنكبوت. و فيه، عن أحدهما عليهما السلام قال: لا تشرب و أنت قائم، و لا تبل في ماء نقيع، و لا تطف بقبر، و لا تخل في بيت وحدك، و لا تمش بنعل واحدة، فإن الشيطان أسرع ما يكون إلى العبد إذا كان على بعض هذه الأحوال. و فيه، عن الصادق (عليه السلام): إذا ذكر اسم الله تنحى الشيطان، و إن فعل و لم يسم أدخل ذكره و كان العمل منهما جميعا و النطفة واحدة. و في تفسير القمي، عنه (عليه السلام): ما كان من مال حرام فهو شرك الشيطان. و في الحديث: من نام سكران بات عروسا للشيطان. أقول: و من هذا الباب قوله تعالى: «إنما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان»: المائدة: 90. و من القسم الثاني ما في الكافي، عن الباقر (عليه السلام): أن هذا الغضب جمرة من الشيطان توقد في قلب ابن آدم. و عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع. و في المحاسن، عن الرضا عن آبائه عن علي (عليه السلام) في حديث: فأما كحله فالنوم و أما سفوفه فالغضب، و أما لعوقه فالكذب. و في الحديث: أن موسى (عليه السلام) رآه و عليه برنس فسأله عن برنسه فقال: به اصطاد قلوب بني آدم. و في مجالس ابن الشيخ، عن الرضا عن آبائه عليهم السلام: أن إبليس كان يأتي الأنبياء من لدن آدم إلى أن بعث الله المسيح يتحدث عندهم و يسألهم، و لم يكن بأحد منهم أشد أنسا منه بيحيى بن زكريا فقال له يحيى: يا أبا مرة إن لي إليك حاجة فقال: أنت أعظم قدرا من أن أردك بمسألة فاسألني ما شئت فإني غير مخالفك في أمر تريده، فقال يحيى: يا أبا مرة أحب أن تعرض علي مصائدك و فخوخك التي تصطاد بها بني آدم، فقال له إبليس: حبا و كرامة و واعده لغد. فلما أصبح يحيى قعد في بيته ينتظر الوعد، و أغلق عليه الباب إغلاقا، فما شعر حتى ساواه من خوخة كانت في بيته فإذا وجهه صورة وجه القرد، و جسده على صورة الخنزير، و إذا عيناه مشقوقتان طولا، و إذا أسنانه و فمه مشقوقات طولا عظما واحدا بلا ذقن و لا لحية، و له أربعة أيد يدان في صدره و يدان في منكبه، و إذا عراقيبه قوادمه و أصابعه خلفه و عليه قباء و قد شد وسطه بمنطقة فيها خيوط معلقة بين أحمر و أصفر و أخضر و جميع الألوان، و إذا بيده جرس عظيم و على رأسه بيضة، و إذا في البيضة حديدة معلقة شبيهة بالكلاب. فلما تأمله يحيى قال: ما هذه المنطقة التي في وسطك؟ فقال: هذه المجوسية أنا الذي سننتها و زينتها لهم. فقال له: ما هذه الخطوط الألوان؟ فقال: هذه جميع أصناع النساء لا تزال المرأة تصنع الصنيع حتى يقع مع لونها فأفتن الناس بها فقال له: فما هذا الجرس الذي بيدك؟ قال: هذا مجمع كل لذة من طنبور و بربط و معزفة و طبل و ناي و صرناي، و إن القوم ليجلسون على شرابهم فلا يستلذونه فأحرك الجرس فيما بينهم فإذا سمعوه استخف بهم الطرب فمن بين من يرقص، و من بين من يفرقع أصابعه، و من بين من يشق ثيابه. فقال له: و أي الأشياء أقر لعينك؟ قال: النساء، من فخوخي و مصائدي فإذا اجتمعت إلى دعوات الصالحين و لعناتهم صرت إلى النساء فطابت نفسي بهن فقال: له يحيى: فما هذه البيضة على رأسك؟ قال: بها أتوقى دعوة المؤمنين. قال: فما هذه الحديدة التي أرى فيها؟ قال: بهذه أقلب قلوب الصالحين. قال يحيى: فهل ظفرت بي ساعة قط؟ قال: لا، و لكن فيك خصلة تعجبني. قال يحيى: فما هي؟ قال: أنت رجل أكول فإذا أفطرت أكلت و بشمت فيمنعك ذلك من بعض صلاتك و قيامك بالليل. قال يحيى: فإني أعطي الله عهدا أن لا أشبع من الطعام حتى ألقاه. قال له إبليس: و أنا أعطي الله عهدا أن لا أنصح مسلما حتى ألقاه، ثم خرج فما عاد إليه بعد ذلك. أقول: و الحديث مروي من طرق أهل السنة بوجه أبسط من ذلك: و قد روي له مجالس و محاورات و مشافهات مع آدم و نوح و موسى و عيسى و محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و عليهم، و هناك - كما مرت الإشارة إليه - روايات لا تحصى كثرة في أنحاء تسويلاته و أنواع تزييناته عند أنواع المعاصي و الذنوب رواها الفريقان، و الجميع تشهد أوضح شهادة على أنها تشكلات مثالية على حسب ما يلائم نوع المعصية من الشكل و الكيفية و يناسبها نظير ما تتمثل الحوادث في الرؤيا على حسب المناسبات المألوفة و الاعتقادات المعتادة. و من التأمل في هذا القسم الثاني يظهر أن الكيفيات و الخصوصيات الواردة في القسم الأول المذكور من الأخبار إنما هي أنواع نسب بين هذا الموجود أعني إبليس و بين الأشياء تدعو إلى وساوس و خطرات تناسبها. فالجميع من التجسمات المثالية التي تناسبها الأعمال أو الأشياء غير التجسم المادي الذي ربما مال إليه الحشوية و بعض أهل الحديث حتى تكون المجوسية مثلا اعتقادا عند الإنسان و هي بعينها منطقة من أديم عند إبليس يشد بها وسطه، أو أن يصير إبليس تارة آدميا له حقيقة الإنسان و قواه و أعماله و تارة شيئا من الحيوان الأعجم له حقيقة نوعية و تارة جمادا ليس بذي حياة و شعور، أو أن هذه النوعيات جميعا هي أشكال و صور عارضة على مادة إبليس فالروايات أجنبية عن الدلالة على أمثال هذه المحتملات. و إنما هي روايات جمة لا ريب في صدور مجموعها من حيث المجموع و تأييد القرآن لها كذلك و هي تدل على أن لإبليس أن يظهر لحواسنا بمختلف الصور هذا من حيث المجموع و أما كل واحد واحد فما صح منها سندا - و ليس الجميع على هذه الصفة - فهو من الآحاد التي لا يعول عليها في أمثال هذه المسائل الأصلية نعم ربما أمكن استفادة حكم فرعي منها من استحباب أو كراهة على ما هو شأن الفقيه |
||