الميزان في تفسير القرآن |
سورة الذاريات |
20 - 51 |
تابع |
||
و قوله: «فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة و هم ينظرون» العتو - على ما ذكره الراغب - النبوء عن الطاعة فينطبق على التمرد، و المراد بهذا العتو العتو عن الأمر و الرجوع إلى الله أيام المهلة فلا يستشكل بأن عتوهم عن أمر الله كان مقدما على تمتعهم - كما يظهر من تفصيل القصة - و الآية تدل على العكس. و قوله: «فأخذتهم الصاعقة و هم ينظرون» هذا لا ينافي ما في موضع آخر من ذكر الصيحة بدل الصاعقة كقوله: «و أخذ الذين ظلموا الصيحة»: هود: 67 لجواز تحققهما معا في عذابهم. و قوله: «فما استطاعوا من قيام و ما كانوا منتصرين» لا يبعد أن يكون «استطاعوا» مضمنا معنى تمكنوا، و «من قيام» مفعوله أي ما تمكنوا من قيام من مجلسهم ليفروا من عذاب الله و هو كناية عن أنهم لم يمهلوا حتى بمقدار أن يقوموا من مجلسهم. و قوله: «و ما كانوا منتصرين» عطف على «ما استطاعوا» أي ما كانوا منتصرين بنصرة غيرهم ليدفعوا بها العذاب عن أنفسهم، و محصل الجملتين أنهم لم يقدروا على دفع العذاب عن أنفسهم لا بأنفسهم و لا بناصر ينصرهم. قوله تعالى: «و قوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين» عطف على القصص السابقة، و «قوم نوح» منصوب بفعل محذوف و التقدير و أهلكنا قوم نوح من قبل عاد و ثمود إنهم كانوا فاسقين عن أمر الله. فهناك أمر و نهي كلف الناس بهما من قبل الله سبحانه و هو ربهم و رب كل شيء دعاهم إلى الدين الحق بلسان رسله فما جاء به الأنبياء (عليهم السلام) حق من عند الله و مما جاءوا به الوعد بالبعث و الجزاء. قوله تعالى: «و السماء بنيناها بأيد و إنا لموسعون» رجوع إلى السياق السابق في قوله: «و في الأرض آيات للموقنين» إلخ، و الأيد القدرة و النعمة، و على كل من المعنيين يتعين لقوله: «و إنا لموسعون» ما يناسبه من المعنى. فالمعنى على الأول: و السماء بنيناها بقدرة لا يوصف قدرها و إنا لذووا سعة في القدرة لا يعجزها شيء، و على الثاني: و السماء بنيناها مقارنا بناؤها لنعمة لا تقدر بقدر و إنا لذووا سعة و غنى لا تنفد خزائننا بالإعطاء و الرزق نرزق من السماء من نشاء فنوسع الرزق كيف نشاء. و من المحتمل أن يكون «موسعون» من أوسع في النفقة أي كثرها فيكون المراد توسعة خلق السماء كما تميل إليه الأبحاث الرياضية اليوم. قوله تعالى: «و الأرض فرشناها فنعم الماهدون» الفرش البسط و كذا المهد أي و الأرض بسطناها و سطحناها لتستقروا عليها و تسكنوها فنعم الباسطون نحن، و هذا الفرش و البسط لا ينافي كروية الأرض. قوله تعالى: «و من كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون» الزوجان المتقابلان يتم أحدهما بالآخر: فاعل و منفعل كالذكر و الأنثى، و قيل: المراد مطلق المتقابلات كالذكر و الأنثى و السماء و الأرض و الليل و النهار و البر و البحر و الإنس و الجن و قيل: الذكر و الأنثى. و قوله: «لعلكم تذكرون» أي تتذكرون أن خالقها منزه عن الزوج و الشريك واحد موحد. قوله تعالى: «ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين و لا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين» في الآيتين تفريع على ما تقدم من الحجج على وحدانيته في الربوبية و الألوهية، و فيها قصص عدة من الأمم الماضين كفروا بالله و رسله فانتهى بهم ذلك إلى عذاب الاستئصال. فالمراد بالفرار إلى الله الانقطاع إليه من الكفر و العقاب الذي يستتبعه، بالإيمان به تعالى وحده و اتخاذه إلها معبودا لا شريك له. و قوله: «و لا تجعلوا مع الله إلها آخر» كالتفسير لقوله: «ففروا إلى الله» أي المراد بالإيمان به الإيمان به وحده لا شريك له في الألوهية و المعبودية. و قد كرر قوله: «إني لكم منه نذير مبين» لتأكيد الإنذار، و الآيتان محكيتان عن لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). بحث روائي في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «و في أنفسكم أ فلا تبصرون» قال: خلقك سميعا بصيرا، تغضب مرة و ترضى مرة، و تجوع مرة و تشبع مرة، و ذلك كله من آيات الله. أقول: و نسبه في المجمع إلى الصادق (عليه السلام). و في التوحيد، بإسناده إلى هشام بن سالم قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) فقيل له: بما عرفت ربك؟ قال: بفسخ العزم و نقض الهم، عزمت ففسخ عزمي، و هممت فنقض همي:. أقول: و رواه في الخصال، عنه عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين (عليه السلام). و في الدر المنثور، أخرج الخرائطي في مساوي الأخلاق عن علي بن أبي طالب «و في أنفسكم أ فلا تبصرون» قال: سبيل الغائط و البول. أقول: الرواية كالروايتين السابقتين مسوقة لبيان بعض المصاديق من طرق المعرفة. و فيه، أخرج ابن النقور و الديلمي عن علي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله: «و في السماء رزقكم و ما توعدون» قال: المطر:. أقول: و روى نحوا منه القمي في تفسيره، مرسلا و مضمرا. و في إرشاد المفيد، عن علي (عليه السلام) في حديث: اطلبوا الرزق فإنه مضمون لطالبه. و في التوحيد، بإسناده إلى أبي البختري قال: حدثني جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: يا علي: إن اليقين أن لا ترضي أحدا على سخط الله، و لا تحمدن أحدا على ما آتاك الله، و لا تذمن أحدا على ما لم يؤتك الله فإن الرزق لا يجره حرص حريص، و لا يصرفه كره كاره. الحديث. و في المجمع،: «فأقبلت امرأته في صرة» و قيل: في جماعة. عن الصادق (عليه السلام). و في الدر المنثور، أخرج الفاريابي و ابن المنذر عن علي بن أبي طالب قال: الريح العقيم النكباء. و في التوحيد، بإسناده إلى محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) فقلت: قول الله عز و جل «يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ فقال: اليد في كلام العرب القوة و النعمة، قال الله: «و اذكر عبدنا داود ذا الأيد»، و قال: «و السماء بنيناها بأيد» أي بقوة، و قال: «و أيدهم بروح منه» أي بقوة، و يقال: لفلان عندي يد بيضاء أي نعمة. و في التوحيد، بإسناده إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) خطبة طويلة و فيها: بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له، و بتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له، و بمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له، و بمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة، و اليبس بالبلل، و الخشن باللين، و الصرد بالحرور، مؤلفا بين متعادياتها، مفرقا بين متدانياتها، دالة بتفريقها على مفرقها، و بتأليفها على مؤلفها و ذلك قوله: «من كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون». ففرق بين قبل و بعد ليعلم أن لا قبل له و لا بعد له، شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه و بين خلقه. و في المجمع،: في قوله تعالى: «ففروا إلى الله» و قيل: معناه حجوا. عن الصادق (عليه السلام):. أقول: و رواه في الكافي، و في المعاني، بالإسناد عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام):. و لعله من التطبيق. |
||