الميزان في تفسير القرآن

سورة الذاريات

20 - 51

تابع
وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ (23) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الأَلِيمَ (37) وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ (45) وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (46) وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (50) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (51)

و قوله: «فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة و هم ينظرون» العتو - على ما ذكره الراغب - النبوء عن الطاعة فينطبق على التمرد، و المراد بهذا العتو العتو عن الأمر و الرجوع إلى الله أيام المهلة فلا يستشكل بأن عتوهم عن أمر الله كان مقدما على تمتعهم - كما يظهر من تفصيل القصة - و الآية تدل على العكس.

و قوله: «فأخذتهم الصاعقة و هم ينظرون» هذا لا ينافي ما في موضع آخر من ذكر الصيحة بدل الصاعقة كقوله: «و أخذ الذين ظلموا الصيحة»: هود: 67 لجواز تحققهما معا في عذابهم.

و قوله: «فما استطاعوا من قيام و ما كانوا منتصرين» لا يبعد أن يكون «استطاعوا» مضمنا معنى تمكنوا، و «من قيام» مفعوله أي ما تمكنوا من قيام من مجلسهم ليفروا من عذاب الله و هو كناية عن أنهم لم يمهلوا حتى بمقدار أن يقوموا من مجلسهم.

و قوله: «و ما كانوا منتصرين» عطف على «ما استطاعوا» أي ما كانوا منتصرين بنصرة غيرهم ليدفعوا بها العذاب عن أنفسهم، و محصل الجملتين أنهم لم يقدروا على دفع العذاب عن أنفسهم لا بأنفسهم و لا بناصر ينصرهم.

قوله تعالى: «و قوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين» عطف على القصص السابقة، و «قوم نوح» منصوب بفعل محذوف و التقدير و أهلكنا قوم نوح من قبل عاد و ثمود إنهم كانوا فاسقين عن أمر الله.

فهناك أمر و نهي كلف الناس بهما من قبل الله سبحانه و هو ربهم و رب كل شيء دعاهم إلى الدين الحق بلسان رسله فما جاء به الأنبياء (عليهم السلام) حق من عند الله و مما جاءوا به الوعد بالبعث و الجزاء.

قوله تعالى: «و السماء بنيناها بأيد و إنا لموسعون» رجوع إلى السياق السابق في قوله: «و في الأرض آيات للموقنين» إلخ، و الأيد القدرة و النعمة، و على كل من المعنيين يتعين لقوله: «و إنا لموسعون» ما يناسبه من المعنى.

فالمعنى على الأول: و السماء بنيناها بقدرة لا يوصف قدرها و إنا لذووا سعة في القدرة لا يعجزها شيء، و على الثاني: و السماء بنيناها مقارنا بناؤها لنعمة لا تقدر بقدر و إنا لذووا سعة و غنى لا تنفد خزائننا بالإعطاء و الرزق نرزق من السماء من نشاء فنوسع الرزق كيف نشاء.

و من المحتمل أن يكون «موسعون» من أوسع في النفقة أي كثرها فيكون المراد توسعة خلق السماء كما تميل إليه الأبحاث الرياضية اليوم.

قوله تعالى: «و الأرض فرشناها فنعم الماهدون» الفرش البسط و كذا المهد أي و الأرض بسطناها و سطحناها لتستقروا عليها و تسكنوها فنعم الباسطون نحن، و هذا الفرش و البسط لا ينافي كروية الأرض.

قوله تعالى: «و من كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون» الزوجان المتقابلان يتم أحدهما بالآخر: فاعل و منفعل كالذكر و الأنثى، و قيل: المراد مطلق المتقابلات كالذكر و الأنثى و السماء و الأرض و الليل و النهار و البر و البحر و الإنس و الجن و قيل: الذكر و الأنثى.

و قوله: «لعلكم تذكرون» أي تتذكرون أن خالقها منزه عن الزوج و الشريك واحد موحد.

قوله تعالى: «ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين و لا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين» في الآيتين تفريع على ما تقدم من الحجج على وحدانيته في الربوبية و الألوهية، و فيها قصص عدة من الأمم الماضين كفروا بالله و رسله فانتهى بهم ذلك إلى عذاب الاستئصال.

فالمراد بالفرار إلى الله الانقطاع إليه من الكفر و العقاب الذي يستتبعه، بالإيمان به تعالى وحده و اتخاذه إلها معبودا لا شريك له.

و قوله: «و لا تجعلوا مع الله إلها آخر» كالتفسير لقوله: «ففروا إلى الله» أي المراد بالإيمان به الإيمان به وحده لا شريك له في الألوهية و المعبودية.

و قد كرر قوله: «إني لكم منه نذير مبين» لتأكيد الإنذار، و الآيتان محكيتان عن لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

بحث روائي

في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «و في أنفسكم أ فلا تبصرون» قال: خلقك سميعا بصيرا، تغضب مرة و ترضى مرة، و تجوع مرة و تشبع مرة، و ذلك كله من آيات الله.

أقول: و نسبه في المجمع إلى الصادق (عليه السلام).

و في التوحيد، بإسناده إلى هشام بن سالم قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) فقيل له: بما عرفت ربك؟ قال: بفسخ العزم و نقض الهم، عزمت ففسخ عزمي، و هممت فنقض همي:. أقول: و رواه في الخصال، عنه عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

و في الدر المنثور، أخرج الخرائطي في مساوي الأخلاق عن علي بن أبي طالب «و في أنفسكم أ فلا تبصرون» قال: سبيل الغائط و البول.

أقول: الرواية كالروايتين السابقتين مسوقة لبيان بعض المصاديق من طرق المعرفة.

و فيه، أخرج ابن النقور و الديلمي عن علي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله: «و في السماء رزقكم و ما توعدون» قال: المطر:. أقول: و روى نحوا منه القمي في تفسيره، مرسلا و مضمرا.

و في إرشاد المفيد، عن علي (عليه السلام) في حديث: اطلبوا الرزق فإنه مضمون لطالبه.

و في التوحيد، بإسناده إلى أبي البختري قال: حدثني جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: يا علي: إن اليقين أن لا ترضي أحدا على سخط الله، و لا تحمدن أحدا على ما آتاك الله، و لا تذمن أحدا على ما لم يؤتك الله فإن الرزق لا يجره حرص حريص، و لا يصرفه كره كاره.

الحديث.

و في المجمع،: «فأقبلت امرأته في صرة» و قيل: في جماعة. عن الصادق (عليه السلام).

و في الدر المنثور، أخرج الفاريابي و ابن المنذر عن علي بن أبي طالب قال: الريح العقيم النكباء.

و في التوحيد، بإسناده إلى محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) فقلت: قول الله عز و جل «يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ فقال: اليد في كلام العرب القوة و النعمة، قال الله: «و اذكر عبدنا داود ذا الأيد»، و قال: «و السماء بنيناها بأيد» أي بقوة، و قال: «و أيدهم بروح منه» أي بقوة، و يقال: لفلان عندي يد بيضاء أي نعمة.

و في التوحيد، بإسناده إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) خطبة طويلة و فيها: بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له، و بتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له، و بمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له، و بمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة، و اليبس بالبلل، و الخشن باللين، و الصرد بالحرور، مؤلفا بين متعادياتها، مفرقا بين متدانياتها، دالة بتفريقها على مفرقها، و بتأليفها على مؤلفها و ذلك قوله: «من كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون». ففرق بين قبل و بعد ليعلم أن لا قبل له و لا بعد له، شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه و بين خلقه.

و في المجمع،: في قوله تعالى: «ففروا إلى الله» و قيل: معناه حجوا. عن الصادق (عليه السلام):. أقول: و رواه في الكافي، و في المعاني، بالإسناد عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام):.

و لعله من التطبيق.

العودة إلى القائمة

التالي