الميزان في تفسير القرآن

سورة ق

15 - 38

تابع
أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ (30) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ (38)

فقوله: «قال قرينه» أي شيطانه الذي يصاحبه و يغويه «ربنا» أضاف الرب إلى نفسه و الإنسان الذي هو قرينه لأنهما في مقام الاختصام «ما أطغيته» أي ما أجبرته على الطغيان «و لكن كان في ضلال بعيد» أي متهيئا مستعدا لقبول ما ألقيته إليه تلقاه باختياره فما أنا بمسئولين عن ذنبه في طغيانه.

و قد تقدم في سورة الصافات تفصيل اختصام الظالمين و أزواجهم في قوله: «احشروا الذين ظلموا و أزواجهم»: الصافات: 22، إلى آخر الآيات.

قوله تعالى: «قال لا تختصموا لدي و قد قدمت إليكم بالوعيد» القائل هو الله سبحانه يخاطبهم و كأنه خطاب واحد لعامة المشركين الطاغين و قرنائهم ينحل إلى خطابات جزئية لكل إنسان و قرينه بمثل قولنا: لا تختصما لدي، إلخ.

و قوله: «و قد قدمت إليكم بالوعيد» حال من فاعل «لا تختصموا» و «بالوعيد» مفعول «قدمت» و الباء للوصلة.

و المعنى: لا تختصموا لدي فلا نفع لكم فيه بعد ما أبلغتكم وعيدي لمن أشرك و ظلم، و الوعيد الذي قدمه إليهم مثل قوله تعالى لإبليس: «اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا»: إسراء: 63، و قوله: «فالحق و الحق أقول لأملأن جهنم منك و ممن تبعك منهم أجمعين»: ص: 85.

أو قوله: «لأملأن جهنم من الجنة و الناس أجمعين»: السجدة: 13.

قوله تعالى: «ما يبدل القول لدي و ما أنا بظلام للعبيد» الذي يعطيه السياق أن تكون الآية استئنافا بمنزلة الجواب عن سؤال مقدر كان قائلا يقول: هب أنك قد قدمت فهلا غيرته و عفوت؟ فأجيب بقوله: «ما يبدل القول لدي» و المراد بالقول مطلق القضاء المحتوم الذي قضى به الله، و قد قضى لمن مات على الكفر بدخول جهنم و ينطبق بحسب المورد على الوعيد الذي أوعده الله لإبليس و من تبعه.

فقد بان أن الجملة مستأنفة، و المراد بتبديل القول تغيير القضاء المحتوم، و «لدي» متعلق بالتبديل، هذا ما يعطيه السياق، و قد ذكر بعضهم في هذه الجملة و إعراب مفرداتها و معنى تبديل القول وجوها و احتمالات كثيرة بعيدة عن الفهم لا تزيد في الكلام إلا تعقيدا فأغمضنا عن إيرادها.

و قوله: «و ما أنا بظلام للعبيد» متمم لمعنى الجملة السابقة أي لا يبدل قولي فأنتم معذبون لا محالة و لست أظلم عبيدي في عذابهم على طبق ما قدمت إليهم بالوعيد لأنهم مستحقون لذلك بعد إتمام الحجة.

و من وجه آخر: لا ظلم في مجازاتهم بالعذاب فإنهم إنما يجزون بأعمالهم التي قدموها في أعمالهم ردت إليهم كما هو ظاهر قوله تعالى: «يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون»: التحريم: 7.

و ما في قوله: «و ما أنا بظلام» من نفي الظلم الكثير لا يستوجب جواز الظلم اليسير فإنه تعالى لو ظلم في شيء من الجزاء كان ظلما كثيرا لكثرة أمثاله فإن الخطاب لكل إنسان مشرك ظالم مع قرينه، و هم كثيرون فهو سبحانه لو ظلم في شيء من الجزاء لكان ظلاما.

قوله تعالى: «يوم نقول لجهنم هل امتلأت و تقول هل من مزيد» خطاب منه تعالى لجهنم و جواب منها، و قد اختلف في حقيقة هذا التكليم و التكلم فقيل: الخطاب و الجواب بلسان الحال و يرده أنه لو كان بلسان الحال لم يختص به تعالى بل كان لكل من يشاهدها على تلك الحال أن يسألها عن امتلائها فتجيبه بقولها: هل من مزيد؟ فليس لتخصيص الخطاب به تعالى نكتة ظاهرة.

و قيل: حقيقة الخطاب لخزنة جهنم و الجواب منهم و إن كانا نسبا إلى جهنم و فيه أنه خلاف الظاهر لا يصار إليه إلا بدليل.

و قيل: الخطاب و الجواب على ظاهره، و لا دليل يدل على عدم الجواز، و قد أخبر الله سبحانه عن تكليم الأيدي و الأرجل و الجلود و غيرها، و هو الوجه و قد تقدم في تفسير سورة فصلت أن العلم و الشعور سار في جميع الموجودات.

و قوله: «هل امتلأت» استفهام تقريري، و كذا قوله حكاية عنها: «هل من مزيد» و لعل إيراد هذا السؤال و الجواب للإشارة إلى أن قهره و عذابه لا يقصر عن الإحاطة بالمجرمين و إيفاء ما يستحقونه من الجزاء قال تعالى: «و إن جهنم لمحيطة بالكافرين»: التوبة: 49.

و استشكل بأنه مناف لصريح قوله تعالى: «لأملأن جهنم» الآية و أجيب بأن الامتلاء قد يراد به أنه لا يخلو شيء من طبقاتها من السكنة كما يقال: البلد ممتلىء بأهله.

على أنه يمكن أن يكون هذا القول منها قبل دخول جميع أهل النار فيها.

و قيل: الاستفهام في قوله: «هل من مزيد» للإنكار و المعنى: لا مزيد أي لا مكان في يزيد على من ألقي في من المجرمين فقد امتلأت فيكون إشارة إلى ما قضى به في قوله: «لأملأن جهنم من الجنة و الناس أجمعين»: السجدة: 13، و قوله: «هل امتلأت» في معنى أن يقال: «حق القول مني لأملأن جهنم»، و قوله: «هل من مزيد» تقرير و تصديق له.

و ربما أيد هذا الوجه قوله تعالى قبل: «ما يبدل القول لدي» على تقدير أن يراد بالقول قوله تعالى: «لأملأن جهنم من الجنة و الناس أجمعين».

قوله تعالى: «و أزلفت الجنة للمتقين غير بعيد» شروع في وصف حال المتقين يوم القيامة، و الإزلاف التقريب، و «غير بعيد» على ما قيل صفة لظرف محذوف و التقدير في مكان غير بعيد.

و المعنى: و قربت الجنة يومئذ للمتقين حال كونها في مكان غير بعيد أي هي بين أيديهم لا تكلف لهم في دخولها.

قوله تعالى: «هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ» الإشارة إلى ما تقدم من الثواب الموعود، و الأواب من الأوب بمعنى الرجوع، و المراد كثرة الرجوع إلى الله بالتوبة و الطاعة، و الحفيظ هو الذي يدوم على حفظ ما عهد الله إليه من أن يترك فيضيع، و قوله: «لكل أواب حفيظ» خبر بعد خبر لهذا أو حال.

قوله تعالى: «من خشي الرحمن بالغيب و جاء بقلب منيب» بيان لكل أواب و الخشية بالغيب الخوف من عذاب الله حال كونه غائبا غير مرئي له، و الإنابة هو الرجوع، و المجيء إلى ربه بقلب منيب أن يتم عمره بالإنابة فيأتي ربه بقلب متلبس بالإنابة.

قوله تعالى: «ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود» خطاب للمتقين أي يقال لهم: ادخلوا بسلام أي بسلامة و أمن من كل مكروه و سوء، أو بسلام من الله و ملائكته عليكم، و قوله: «ذلك يوم الخلود» بشرى يبشرون بها.

قوله تعالى: «لهم ما يشاءون فيها و لدينا مزيد» يمكن أن يكون «فيها» متعلقا بيشاءون أو بمحذوف هو حال من الموصول، و التقدير: حال كون ما يشاءون فيها أو من الضمير المحذوف الراجع إلى الموصول، و التقدير: ما يشاءونه حال كونه فيها، و الأول أوفق لسعة كرامتهم عند الله سبحانه.

و المحصل: أن أهل الجنة و هم في الجنة يملكون كل ما تعلقت به مشيتهم و إرادتهم كائنا ما كان من غير تقييد و استثناء فلهم كلما أمكن أن يتعلق به الإرادة و المشية لو تعلقت.

و قوله: «و لدينا مزيد» أي و لهم عندنا ما يزيد على ذلك - على ما يفيده السياق - و إذ كان لهم كل ما أمكن أن تتعلق به مشيتهم مما يتعلق به علمهم من المطالب و المقاصد فالمزيد على ذلك أمر أعظم مما تتعلق به مشيتهم لكونه فوق ما يتعلق به علمهم من الكمال.

و قيل: المراد بالمزيد الزيادة على ما يشاءون من جنس ما يشتهون فإذا شاءوا رزقا أعطوا منه أكثر مما شاءوا و أفضل و أعجب كما ورد عن بعضهم أنه تمر بهم السحابة فتقول: ما ذا تريدون فأمطره عليكم فلا يريدون شيئا إلا أمطرته عليهم.

و فيه أنه تقييد لإطلاق الكلام من غير مقيد فإن ظاهر قوله: «لهم ما يشاءون فيها» إنهم يملكون كل ما يمكنهم أن يشاءوا لا تملكهم ما شاءوه بالفعل فالمزيد وراء ما يمكن أن تتعلق به مشيتهم.

و قيل: المراد أنه يضاعف لهم الحسنة بعشر أمثالها و فيه ما في سابقه.

قوله تعالى: «و كم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص» التنقيب السير، المحيص المحيد و المنجا.

و في الآية تذييل الاحتجاج بخلق الإنسان و العلم به و بيان سيره إلى الله بالتخويف و الإنذار نظير ما جرى عليه الكلام في صدر السورة من الاحتجاج على المعاد و تذييله بالتخويف و الإنذار في قوله: «كذبت قبلهم قوم نوح و أصحاب الرس و ثمود» إلخ.

و المعنى: و كثيرا ما أهلكنا قبل هؤلاء المشركين من قرن هم أي أهل ذلك القرن أشد بطشا منهم أي من هؤلاء المشركين فساروا ببطشهم في البلاد ففتحوها و تحكموا عليها هل من محيد و منجا من إهلاك الله و عذابه؟.

قوله تعالى: «إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد» القلب ما يعقل به الإنسان فيميز الحق من الباطل و الخير من الشر و النافع من الضار، فإذا لم يعقل و لم يميز فوجوده بمنزلة عدمه إذ ما لا أثر له فوجوده و عدمه سواء، و إلقاء السمع هو الاستماع كأن السمع شيء يلقى إلى المسموع فيناله و يدركه و الشهيد الحاضر المشاهد.

و المعنى: أن فيما أخبرنا به من الحقائق و أشرنا إليه من قصص الأمم الهالكة لذكرى يتذكر بها من كان يتعقل فيدرك الحق و يختار ما فيه خيره و نفعه أو استمع إلى حق القول و لم يشتغل عنه بغيره و الحال أنه شاهد حاضر يعي ما يسمعه.

و الترديد بين من كان له قلب و من استمع شهيدا لمكان أن المؤمن بالحق أحد رجلين إما رجل ذو عقل يمكنه أن يتناول الحق فيتفكر فيه و يرى ما هو الحق فيذعن به، و إما رجل لا يقوى على التفكر حتى يميز الحق و الخير و النافع فعليه أن يستمع القول فيتبعه، و أما من لا قلب له يعقل به و لا يسمع شهيدا على ما يقال له و يلقى إليه من الرسالة و الإنذار فجاهل متعنت لا قلب له و لا سمع، قال تعالى: «و قالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير»: الملك: 10.

قوله تعالى: «و لقد خلقنا السماوات و الأرض و ما بينهما في ستة أيام و ما مسنا من لغوب» اللغوب التعب و النصب، و المعنى ظاهر.

بحث روائي

في التوحيد، بإسناده إلى عمرو بن شمر عن جابر بن يزيد قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: «أ فعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد» قال: يا جابر تأويل ذلك أن الله عز و جل إذا أفنى هذا الخلق و هذا العالم و سكن أهل الجنة الجنة و أهل النار النار جدد الله عالما غير هذا العالم و جدد خلقا من غير فحولة و لا إناث يعبدونه و يوحدونه و خلق لهم أرضا غير هذه الأرض تحملهم، و سماء غير هذه السماء تظلهم. لعلك ترى أن الله إنما خلق هذا العالم الواحد أو ترى أن الله لم يخلق بشرا غيركم بلى و الله لقد خلق ألف ألف عالم و ألف ألف آدم أنت في آخر تلك العوالم و أولئك الآدميين:. أقول: و روي في الخصال، الشطر الأول من الحديث بإسناده عن محمد بن مسلم عنه (عليه السلام)، و لعل المراد بكون ما ذكر تأويل الآية أنه مما ينطبق عليه.

و عن جوامع الجامع، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): كاتب الحسنات على يمين الرجل و كاتب السيئات على شماله، و صاحب اليمين أمير على صاحب الشمال: فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشرا و إذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال: دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر.

أقول: و في معناها روايات أخرى، و روي ست ساعات بدل سبع ساعات.

و في نهج البلاغة،: «و جاءت كل نفس معها سائق و شهيد» سائق يسوقها إلى محشرها و شاهد يشهد عليها بعملها. و في المجمع، و روى أبو القاسم الحسكاني بالإسناد عن الأعمش قال: حدثنا أبو المتوكل التاجر عن أبي السعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا كان يوم القيامة يقول الله لي و لعلي: ألقيا في النار من أبغضكما، و أدخلا في الجنة من أحبكما و ذلك قوله: «ألقيا في جهنم كل كفار عنيد»:. أقول: و رواه شيخ الطائفة في أماليه، بإسناده عن أبي سعيد الخدري عنه (صلى الله عليه وآله وسلم). و في الدر المنثور، أخرج ابن أبي الدنيا في ذكر الموت و ابن أبي حاتم و أبو نعيم في الحلية، عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إن ابن آدم لفي غفلة عما خلق له إن الله إذا أراد خلقه قال للملك: اكتب رزقه. اكتب أثره. اكتب أجله شقيا أم سعيدا ثم يرتفع ذلك الملك و يبعث الله ملكا فيحفظه حتى يدرك ثم يرتفع ذلك الملك. ثم يوكل الله به ملكين يكتبان حسناته و سيئاته فإذا حضره الموت ارتفع ذلك الملكان و جاء ملك الموت ليقبض روحه فإذا أدخل قبره رد الروح في جسده و جاءه ملكا القبر فامتحناه ثم يرتفعان. فإذا قامت الساعة انحط عليه ملك الحسنات و ملك السيئات فبسطا كتابا معقودا في عنقه ثم حضرا معه واحد سائق و آخر شهيد. ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن قدامكم لأمرا عظيما لا تقدرونه فاستعينوا بالله العظيم. و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «يوم نقول لجهنم هل امتلأت - و تقول هل من مزيد» قال: هو استفهام لأن الله وعد النار أن يملأها فتمتلىء النار ثم يقول لها: هل امتلأت؟ و تقول: هل من مزيد؟ على حد الاستفهام أي ليس في مزيد.

أقول: بناؤه على كون الاستفهام إنكاريا.

و في الدر المنثور، أخرج أحمد و البخاري و مسلم و الترمذي و النسائي و ابن جرير و ابن مردويه و البيهقي في الأسماء و الصفات عن أنس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا تزال جهنم يلقى فيها و تقول: هل من مزيد؟ حتى تضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض و تقول: قط قط و عزتك و كرمك. و لا يزال في الجنة فضل حتى ينشىء الله لها خلقا آخر فيسكنهم في قصور الجنة.

أقول: وضع القدم على النار و قولها: قط قط مروي في روايات كثيرة من طرق أهل السنة.

و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «لهم ما يشاءون فيها و لدينا مزيد» قال: النظر إلى رحمة الله. و في الدر المنثور، أخرج البزاز و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن مردويه و اللالكائي في السنة و البيهقي في البعث و النشور عن أنس في قوله تعالى: «و لدينا مزيد» قال: يتجلى لهم الرب عز و جل. و في الكافي، بعض أصحابنا رفعه عن هشام بن الحكم قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام): يا هشام إن الله يقول في كتابه: «إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب» يعني عقل. و في الدر المنثور، أخرج الخطيب في تاريخه، عن العوام بن حوشب قال: سألت أبا مجلز عن الرجل يجلس فيضع إحدى رجليه على الأخرى فقال: لا بأس به إنما كره ذلك اليهود زعموا أن الله خلق السماوات و الأرض في ستة أيام ثم استراح يوم السبت فجلس تلك الجلسة فأنزل الله «و لقد خلقنا السماوات و الأرض - و ما بينهما في ستة أيام و ما مسنا من لغوب». أقول: و روي هذا المعنى عن الضحاك و قتادة، و روى هذا المعنى المفيد في روضة الواعظين، في رواية ضعيفة، و أصل تقسيم خلق الأشياء إلى ستة من أيام الأسبوع واقع في التوراة، و القرآن و إن كرر ذكر خلق الأشياء في ستة أيام لكنه لم يذكر كون هذه الأيام هي أيام الأسبوع و لا لوح إليه.

و على هذه الروايات اعتمد من قال: إن الآية مدنية، و لا دلالة في ردها قول اليهود أن تكون نازلة بالمدينة، و في الآيات المكية ما تعرض سبحانه فيه لشأن اليهود كما في سورة الأعراف و غيرها.

العودة إلى القائمة

التالي