الميزان في تفسير القرآن

سورة المائدة

57 - 66

تابع
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ (58) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (60) وَإِذَا جَاؤُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَقَد دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (62) لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (63) وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ (66)

فأما قوله: «و ليزيدن كثيرا منهم» إلخ، فيشير إلى أن اجتراءهم على الله العظيم و تفوههم بمثل قولهم: «يد الله مغلولة» ليس من المستبعد منهم فإن القوم متلبسون بالاعتداء و الكفر من قديم أيامهم، و قد أورثهم ذلك البغي و الحسد، و لا يؤمن من هذه سجيته إذا رأى أن الله فضل غيره عليه بما لا يقدر قدره من النعمة أن يزداد طغيانا و كفرا.

و اليهود كانت ترى لنفسها السيادة و التقدم على الدنيا، و كانت تتسمى بأهل الكتاب، و تتباهى بالربانيين و الأحبار، و تفتخر بالعلم و الحكمة، و تسمي سائر الناس أميين، فإذا رأت قرآنا نازلا على قوم كانت تتذلل لعلمها و كتابها - كما كانت هي الحرمة المراعاة بينها و بين العرب في الجاهلية - ثم أمعنت فيه فوجدته كتابا إلهيا مهيمنا على ما تقدم عليه من الكتب السماوية، و مشتملا على الحق الصريح و التعليم العالي و الهداية التامة ثم أحست بما يتعقبه من ذلتها و استكانتها في نفس ما كانت تتعزز و تتباهى به و هو العلم و الكتاب.

لا جرم تستيقظ من رقدتها، و تطغى عاديتها، و يزيد طغيانها و كفرها.

فنسبة زيادة طغيانهم و كفرهم إلى القرآن إنما هي بعناية أن أنفسهم الباغية الحاسدة ثارت بالطغيان و الكفر بمشاهدة نزول القرآن و إدراك ما يتضمنه من المعارف الحقة و الدعوة الظاهرة.

على أن الله سبحانه ينسب الهداية و الإضلال في كتابه إلى نفسه كثيرا كقوله: «كلا نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ما كان عطاء ربك محظورا»: «الإسراء: 20» و قال في خصوص القرآن: «و ننزل من القرآن ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين و لا يزيد الظالمين إلا خسارا»: «الإسراء: 82» و الإضلال أو ما يشبهه إنما يعد مذموما إذا كان إضلالا ابتدائيا، و أما ما كان منه من قبيل الجزاء إثر فسق و معصية من الضال يوجب نزول السخط الإلهي عليه و يستدعي حلول ما هو أشد مما هو فيه من الضلال فلا ضير في الإضلال بهذا المعنى و لا ذم يلحقه كما يشير إليه قوله: «و ما يضل به إلا الفاسقين»: «البقرة: 26»، و قوله: «فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم»: «الصف - 5».

و بالأخرة يعود معنى زيادة القرآن طغيانهم و كفرهم إلى سلب التوفيق و عدم تعلق العناية الإلهية بردهم مما هم فيه من الطغيان و الكفر بآيات الله إلى التسليم و الإيمان بإجابة الدعوة الحقة، و قد تقدم البحث عن هذا المعنى في تفسير قوله تعالى: «و ما يضل به إلا الفاسقين»: «البقرة: 26» في الجزء الأول من هذا الكتاب.

و لنرجع إلى أول الكلام فقوله: «و ليزيدن كثيرا منهم» إلخ، كأنه مسوق لرفع الاستبعاد و التعجب الناشىء من اجتراء هؤلاء المتسمين بأهل الكتاب، و المدعين أنهم أبناء الله و أحباؤه على ربهم بمثل هذه الكلمة المهينة المزرية: يد الله مغلولة.

و إن من المحتوم اللازم لهم هذه الزيادة في الطغيان و الكفر التي هذه الكلمة من آثارها و سيتلوها آثار بعد آثار مشوهة، و هذا هو المستفاد من التأكيد المدلول عليه بلام القسم و نون التأكيد في قوله: «ليزيدن».

و في تعقيب الطغيان بالكفر من غير عكس جرى على الترتيب الطبعي فإن الكفر من آثار الطغيان و تبعاته.

قوله تعالى: «و ألقينا بينهم العداوة و البغضاء إلى يوم القيامة» ضمير بينهم راجع إلى اليهود على ما هو ظاهر وقوع الجملة في سياق الكلام على اليهود خاصة و إن كانت الآيات بدأت الكلام في أهل الكتاب عامة، و على هذا فالمراد بالعداوة و البغضاء بينهم ما يرجع إلى الاختلاف في المذاهب و الآراء، و قد أشار الله سبحانه إليه في مواضع من كلامه كقوله: «و لقد آتينا بني إسرائيل الكتاب و الحكم و النبوة - إلى أن قال - فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون»: «الجاثية: 17» و غير ذلك من الآيات.

و العداوة كان المراد بها البغض الذي يستصحب التعدي في العمل، و البغضاء هو مطلق ما في القلب من حالة النفار و إن لم يستعقب التعدي في العمل فيفيد اجتماعهما معنى البغض الذي يوجب الظلم على الغير و البغض الذي يقصر عنه.

و في قوله تعالى: «إلى يوم القيامة» ما لا يخفى من الدلالة على بقاء أمتهم إلى آخر الدنيا.

قوله تعالى: «كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله» إيقاد النار إشعالها، و إطفاؤها إخمادها، و المعنى واضح، و من المحتمل أن يكون قوله: «كلما أوقدوا» إلخ بيانا لقوله: «و ألقينا بينهم العداوة» إلخ فيعود المعنى إلى أنه كلما أثاروا حربا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و المؤمنين أطفأها الله بإلقاء الاختلاف بينهم.

و الآية على ما يدل عليه السياق تسجل عليهم خيبة المسعى في إيقاد النيران التي يوقدونها على دين الله سبحانه، و على المسلمين بما أنهم مؤمنون بالله و آياته، و أما الحروب التي ربما أمكن أن يوقدوا نارها لا لأمر الدين الحق بل لسياسة أو تغلب جنسي أو ملي فهي خارجة عن مساق الآية.

قوله تعالى: «و يسعون في الأرض فسادا و الله لا يحب المفسدين» السعي هو السير السريع، و قوله: «فسادا» مفعول له أي يجتهدون لإفساد الأرض، و الله لا يحب المفسدين فلا يخليهم و أن ينالوا ما أرادوه من فساد الأرض فيخيب سعيهم، و الله أعلم.

فهذا كله بيان لكونهم غلت أيديهم و لعنوا بما قالوا، حيث إنهم غير نائلين ما قصدوه من إثارة الحروب على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و المسلمين، و ما اجتهدوا لأجله من فساد الأرض.

قوله تعالى: «و لو أن أهل الكتاب آمنوا و اتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم إلخ عود إلى حال أهل الكتاب عامة كما كان بدأ الكلام فيهم عامة، و ختم الكلام بتخليص القول في ما فاتهم من نعمة السعادة في الآخرة و الدنيا، و هي جنة النعيم و نعمة الحياة السعيدة.

و المراد بالتقوى بعد الإيمان التورع عن محارم الله و اتقاء الذنوب التي تحتم السخط الإلهي و عذاب النار، و هي الشرك بالله و سائر الكبائر الموبقة التي أوعد الله عليها النار، فيكون المراد بالسيئات التي وعد الله سبحانه تكفيرها الصغائر من الذنوب، و ينطبق على قوله سبحانه: «إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم و ندخلكم مدخلا كريما»: «النساء: 31.

قوله تعالى: «و لو أنهم أقاموا التوراة و الإنجيل و ما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم» المراد بالتوراة و الإنجيل الكتابان السماويان اللذان يذكر القرآن أن الله أنزلهما على موسى و عيسى (عليهما السلام) دون ما بأيدي القوم من الكتب التي يذكر أنه لعبت بها يد التحريف.

و الظاهر أن المراد بما أنزل إليهم من ربهم سائر الكتب المنسوبة إلى الأنبياء الموجودة عندهم كمزامير داود الذي يسميه القرآن بالزبور، و غيره من الكتب.

و أما احتمال أن يكون المراد به القرآن فيبعده أن القرآن نسخ بأحكامه شرائع التوراة و الإنجيل فلا وجه لعدهما معه و تمني أن يكونوا أقاموهما مع القرآن الناسخ لهما، و القول بأن العمل بالقرآن عمل بهما أيضا، كما أن العمل بالأحكام الناسخة في الإسلام عمل بمجموع شرائع الإسلام المتضمنة للناسخ و المنسوخ جميعا لكون دين الله واحدا لا يزاحم بعضه بعضا، غاية الأمر أن بعض الأحكام مؤجلة موقوتة من غير تناقض يدفعه أن الله سبحانه عبر عن هذا العمل بالإقامة و هي حفظ الشيء على ساق، و لا يلائم ذلك الأحكام المنسوخة بما هي منسوخة، فإقامة التوراة و الإنجيل إنما يصح حين كانت الشريعتان لم تنسخا بشريعة أخرى، و الإنجيل لم ينسخ شريعة التوراة إلا في أمور يسيرة.

على أن قوله تعالى: «و ما أنزل إليهم من ربهم» يعدهم منزلا إليهم، و غير معهود من كلامه تعالى أن يذكر أن القرآن نزل إليهم.

فالظاهر أن المراد بما أنزل إليهم من ربهم بعد التوراة و الإنجيل سائر الكتب و أقسام الوحي المنزلة على أنبياء بني إسرائيل كزبور داود و غيره، و المراد بإقامة هذه الكتب حفظ العمل العام بما فيها من شرائع الله تعالى، و الاعتقاد بما بين الله تعالى فيها من معارف المبدأ و المعاد من غير أن يضرب عليها بحجب التحريف و الكتمان و الترك الصريح، فلو أقاموها هذه الإقامة لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم.

و أما قوله تعالى: «لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم» فالمراد بالأكل التنعم مطلقا سواء كان بالأكل كما في مورد الأغذية أو بغيره كما في غيره، و استعمال الأكل في مطلق التصرف و التنعم من غير مزاحم شائع في اللغة.

و المراد من فوقهم هو السماء، و من تحت أرجلهم هو الأرض، فالجملة كناية عن تنعمهم بنعم السماء و الأرض و إحاطة بركاتهما عليهم نظير ما وقع في قوله تعالى: «و لو أن أهل القرى آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض، و لكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون»: «الأعراف: 96».

و الآية من الدليل على أن لإيمان هذا النوع أعني نوع الإنسان و أعماله الصالحة تأثيرا في صلاح النظام الكوني من حيث ارتباطه بالنوع الإنساني فلو صلح هذا النوع صلح نظام الدنيا من حيث إيفائه باللازم لحياة الإنسان السعيدة من اندفاع النقم و وفور النعم.

و يدل على ذلك آيات أخرى كثيرة في القرآن بإطلاق لفظها كقوله تعالى ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين: الروم - 42 و قوله تعالى و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم: الشورى - 30 إلى غير ذلك و قد تقدم بعض ما يتعلق به من الكلام في البحث عن أحكام الأعمال في الجزء الثاني من هذا الكتاب.

قوله تعالى منهم أمة مقتصدة و كثير منهم ساء ما يعملون الاقتصاد أخذ القصد و هو التوسط في الأمور فالأمة المقتصدة هي المعتدلة في أمر الدين و التسليم لأمر الله.

و الكلام مستأنف أريد به بيان حال جميع ما نسب إليهم من التعدي عن حدود الله و الكفر بآيات الله و نزول السخط و اللعن على جماعتهم أن ذلك كله إنما تلبس به أكثرهم و هو المصحح لنسبة هذه الفظائع إليهم و أن منهم أمة معتدلة ليست على هذا النعت و هذا من نصفة الكلام الإلهي حيث لا يضيع حقا من الحقوق و يراقب إحياء أمر الحق و إن كان قليلا.

و قد تعرض لذلك أيضا في مطاوي الآيات السابقة لكن لا بهذه المثابة من التصريح كقوله و أن أكثركم فاسقون و قوله و ترى كثيرا منهم يسارعون إلخ و قوله و ليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا و كفرا.

بحث روائي

في تفسير القمي،: في قوله تعالى و إذا جاءوكم قالوا آمنا الآية قال نزلت في عبد الله بن أبي لما أظهر الإسلام و قد دخلوا بالكفر.

أقول ظاهر السياق أنها نازلة في أهل الكتاب لا في المنافقين إلا أن تكون نزلت وحدها.

و فيه في قوله تعالى و هم قد خرجوا به الآية قال قال قد خرجوا به من الإيمان.

و في الكافي، بإسناده عن أبي بصير عن عمر بن رياح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له بلغني أنك تقول من طلق لغير السنة أنك لا ترى طلاقه شيئا فقال أبو جعفر (عليه السلام) ما أقول بل الله عز و جل يقوله أما و الله لو كنا نفتيكم بالجور لكنا شرا منكم إن الله يقول لو لا ينهاهم الربانيون و الأحبار - عن قولهم الإثم و أكلهم السحت و في تفسير العياشي، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن عمر بن رياح زعم أنك قلت: لا طلاق إلا ببينة؟ قال: فقال: ما أنا قلته بل الله تبارك و تعالى يقول: أما و الله لو كنا نفتيكم بالجور لكنا أشر منكم! إن الله يقول: «لو لا ينهاهم الربانيون و الأحبار».

و في مجالس الشيخ، بإسناده عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله تعالى: «و قالت اليهود يد الله مغلولة»: فقال كانوا يقولون: قد فرغ من الأمر.

أقول: و روى هذا المعنى العياشي في تفسيره عن يعقوب بن شعيب و عن حماد عنه (عليه السلام).

و في تفسير القمي،: قال: قالوا: قد فرغ الله من الأمر لا يحدث غير ما قدره في التقدير الأول، فرد الله عليهم فقال: «بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء» أي يقدم و يؤخر، و يزيد و ينقص و له البداء و المشية.

أقول: و روى هذا المعنى الصدوق في المعاني، بإسناده عن إسحاق بن عمار عمن سمعه عن الصادق (عليه السلام).

و في تفسير العياشي، عن هشام المشرقي عن أبي الحسن الخراساني (عليه السلام) قال: إن الله كما وصف نفسه أحد صمد نور، ثم قال: «بل يداه مبسوطتان» فقلت له: أ فله يدان هكذا؟ و أشرت بيدي إلى يده فقال: لو كان هكذا كان مخلوقا. أقول: و رواه الصدوق في العيون، بإسناده عن المشرقي عنه (عليه السلام).

و في المعاني، بإسناده عن محمد بن مسلم قال: سألت جعفرا (عليه السلام) فقلت: قوله عز و جل: «يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ قال: اليد في كلام العرب القوة و النعمة قال: «و اذكر عبدنا داود ذا الأيد، و السماء بنيناها بأيد أي بقوة و إنا لموسعون» قال: «و أيدهم بروح منه» قال: أي قواهم، و يقال: لفلان عندي يد بيضاء أي نعمة.

و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «و لو أنهم أقاموا التوراة و الإنجيل» الآية: يعني اليهود و النصارى «لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم» قال: قال: من فوقهم المطر، و من تحت أرجلهم النبات.

و في تفسير العياشي،: في قوله تعالى: «منهم أمة مقتصدة» الآية عن أبي الصهباء الكبرى قال: سمعت علي بن أبي طالب دعا رأس الجالوت و أسقف النصارى فقال: إني سائلكما عن أمر و أنا أعلم به منكما فلا تكتما ثم دعا أسقف النصارى فقال: أنشدك بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى، و جعل على رجله البركة، و كان يبرىء الأكمة و الأبرص، و أزال ألم العين، و أحيا الميت، و صنع لكم من الطين طيورا، و أنبأكم بما تأكلون و ما تدخرون فقال: دون هذا أصدق. فقال علي (عليه السلام): بكم افترقت بنو إسرائيل بعد عيسى؟ فقال: لا و الله و لا فرقة واحدة فقال علي (عليه السلام): كذبت و الله الذي لا إله إلا هو لقد افترقت على اثنين و سبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة إن الله يقول: «منهم أمة مقتصدة - و كثير منهم ساء ما يعملون» فهذه التي تنجو.

و فيه، عن زيد بن أسلم، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: تفرقت أمة موسى على إحدى و سبعين فرقة، سبعون منها في النار و واحدة في الجنة، و تفرقت أمة عيسى على اثنتين و سبعين فرقة، إحدى و سبعون في النار و واحدة في الجنة، و تعلو أمتي على الفرقتين جميعا بملة واحدة في الجنة و اثنتان و سبعون في النار، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: الجماعات، الجماعات.

و فيه،: قال يعقوب بن يزيد: كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) إذا حدث هذا الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تلا فيه قرآنا: «و لو أن أهل الكتاب آمنوا و اتقوا - لكفرنا عنهم سيئاتهم إلى قوله ساء ما يعملون»، و تلا أيضا: «و ممن خلقنا أمة يهدون بالحق و به يعدلون» يعني أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

العودة إلى القائمة

التالي