الميزان في تفسير القرآن

سورة الحجرات

1 - 10

تابع
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8) وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)

و الآية على ما يفيده السياق من تتمة الكلام في الآية السابقة تعمم ما فيها من الحكم و تؤكد ما فيها من التعليل فمضمون الآية السابقة الحكم بوجوب التبين في خبر الفاسق و تعليله بوجوب التحرز عن بناء العمل على الجهالة، و مضمون هذه الآية تنبيه المؤمنين على أن الله سبحانه أوردهم شرع الرشد و لذلك حبب إليهم الإيمان و زينة في قلوبهم و كره إليهم الكفر و الفسوق و العصيان فعليهم أن لا يغفلوا عن أن فيهم رسول الله و هو مؤيد من عند الله و على بينة من ربه لا يسلك إلا سبيل الرشد دون الغي فعليهم أن يطيعوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما يأمرهم به و يريدوا ما أراده و يختاروا ما اختاره، و لا يصروا على أن يطيعهم في آرائهم و أهوائهم فإنه لو يطيعهم في كثير من الأمر جهدوا و هلكوا.

فقوله: «و اعلموا أن فيكم رسول الله» عطف على قوله في الآية السابقة: «فتبينوا» و تقديم الخبر للدلالة على الحصر، و الإشارة إلى ما هو لازمه فإن اختصاصهم بكون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيهم لازمه أن يتعلقوا بالرشد و يتجنبوا الغي و يرجعوا الأمور إليه و يطيعوه و يتبعوا أثره و لا يتعلقوا بما تستدعيه منهم أهواؤهم.

فالمعنى: و لا تنسوا أن فيكم رسول الله، و هو كناية عن أنه يجب عليهم أن يرجعوا الأمور و يسيروا فيما يواجهونه من الحوادث على ما يراه و يأمر به من غير أن يتبعوا أهواء أنفسهم.

و قوله: «لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم» أي جهدتم و هلكتم، و الجملة كالجواب لسؤال مقدر كان سائلا يسأل فيقول: لما ذا نرجع إليه و لا يرجع إلينا و لا يوافقنا؟ فأجيب بأنه «لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم».

و قوله: «و لكن الله حبب إليكم الإيمان و زينه في قلوبكم» استدراك عما يدل عليه الجملة السابقة: «لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم» من أنهم مشرفون بالطبع على الهلاك و الغي فاستدرك أن الله سبحانه أصلح ذلك بما أنعم عليهم من تحبيب الإيمان و تكريه الكفر و الفسوق و العصيان.

و المراد بتحبيب الإيمان إليهم جعله محبوبا عندهم و بتزيينه في قلوبهم تحليته بجمال يجذب قلوبهم إلى نفسه فيتعلقون به و يعرضون عما يلهيهم عنه.

و قوله: «و كره إليكم الكفر و الفسوق و العصيان» عطف على «حبب» و تكريه الكفر و ما يتبعه إليهم جعلها مكروهة عندهم تتنفر عنها نفوسهم، و الفرق بين الفسوق و العصيان - على ما قيل - إن الفسوق هو الخروج عن الطاعة إلى المعصية، و العصيان نفس المعصية و إن شئت فقل: جميع المعاصي، و قيل: المراد بالفسوق الكذب بقرينة الآية السابقة و العصيان سائر المعاصي.

و قوله: «أولئك هم الراشدون» بيان أن حب الإيمان و الانجذاب إليه و كراهة الكفر و الفسوق و العصيان هو سبب الرشد الذي يطلبه الإنسان بفطرته و يتنفر عن الغي الذي يقابله فعلى المؤمنين أن يلزموا الإيمان و يتجنبوا الكفر و الفسوق و العصيان حتى يرشدوا و يتبعوا الرسول و لا يتبعوا أهواءهم.

و لما كان حب الإيمان و الانجذاب إليه و كراهة الكفر و نحوه صفة بعض من كان الرسول فيهم دون الجميع كما يصرح به الآية السابقة، و قد وصف بذلك جماعتهم تحفظا على وحدتهم و تشويقا لمن لم يتصف بذلك منهم غير السياق و التفت عن خطابهم إلى خطاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: «أولئك هم الراشدون» و الإشارة إلى من اتصف بحب الإيمان و كراهة الكفر و الفسوق و العصيان، ليكون مدحا للمتصفين بذلك و تشويقا لغيرهم.

و اعلم أن في قوله: «و اعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم» إشعارا بأن قوما من المؤمنين كانوا مصرين على قبول نبأ الفاسق الذي تشير إليه الآية السابقة، و هو الوليد بن عقبة أرسله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بني المصطلق لأخذ زكواتهم فجاء إليهم فلما رآهم هابهم و رجع إلى المدينة و أخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنهم ارتدوا فعزم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على قتالهم فنزلت الآية فانصرف و في القوم بعض من يصر على أن يغزوهم.

و سيجيء القصة في البحث الروائي التالي.

قوله تعالى: «فضلا من الله و نعمة و الله عليم حكيم» تعليل لما تقدم من فعله تعالى بالمؤمنين من تحبيب الإيمان و تزيينه و تكريه الكفر و الفسوق و العصيان أي إن ذلك منه تعالى مجرد عطية و نعمة لا إلى بدل يصل إليه منهم لكن ليس فعلا جزافيا فإنه تعالى عليهم بمورد عطيته و نعمته حكيم لا يفعل ما يفعل جزافا كما قال: «و ألزمهم كلمة التقوى و كانوا أحق بها و أهلها و كان الله بكل شيء عليما»: الفتح: 26.

قوله تعالى: «و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما» إلى آخر الآية الاقتتال و التقاتل بمعنى واحد كالاستباق و التسابق، و رجوع ضمير الجمع في «اقتتلوا» إلى الطائفتين باعتبار المعنى فإن كلا من الطائفتين جماعة و مجموعهما جماعة كما أن رجوع ضمير التثنية إليهما باعتبار المعنى.

و نقل عن بعضهم في وجه التفرقة بين الضميرين: أنهم أولا في حال القتال مختلطون فلذا جمع أولا ضميرهم، و في حال الصلح متميزون متفارقون فلذا ثنى الضمير.

و قوله: «فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله» البغي الظلم و التعدي بغير حق، و الفيء الرجوع، و المراد بأمر الله ما أمر به الله، و المعنى: فإن تعدت إحدى الطائفتين على الأخرى بغير حق فقاتلوا الطائفة المتعدية حتى ترجع إلى ما أمر به الله و تنقاد لحكمه.

و قوله: «فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل» أي فإن رجعت الطائفة المتعدية إلى أمر الله فأصلحوا بينهما لكن لا إصلاحا بوضع السلاح و ترك القتال فحسب بل إصلاحا متلبسا بالعدل بإجراء أحكام الله فيما تعدت به المتعدية من دم أو عرض أو مال أو أي حق آخر ضيعته.

و قوله: «و أقسطوا إن الله يحب المقسطين» الإقساط إعطاء كل ما يستحقه من القسط و السهم و هو العدل فعطف قوله: «و أقسطوا» على قوله: «أصلحوا بينهما بالعدل» من عطف المطلق على المقيد للتأكيد، و قوله: «إن الله يحب المقسطين» تعليل يفيد تأكيدا على تأكيد كأنه قيل: أصلحوا بينهما بالعدل و أعدلوا دائما و في جميع الأمور لأن الله يحب العادلين لعدالتهم.

قوله تعالى: «إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم» استئناف مؤكد لما تقدم من الإصلاح بين الطائفتين المتقاتلتين من المؤمنين، و قصر النسبة بين المؤمنين في نسبة الإخوة مقدمة ممهدة لتعليل ما في قوله: «فأصلحوا بين أخويكم» من حكم الصلح فيفيد أن الطائفتين المتقاتلتين لوجود الإخوة بينهما يجب أن يستقر بينهما الصلح، و المصلحون لكونهم إخوة للمتقاتلتين يجب أن يسعوا في إصلاح ما بينهما.

و قوله: «فأصلحوا بين أخويكم» و لم يقل: فأصلحوا بين الأخوين من أوجز الكلام و ألطفه حيث يفيد أن المتقاتلتين بينهما أخوة فمن الواجب أن يستقر بينهما الصلح و سائر المؤمنين إخوان للمتقاتلتين فيجب عليهم أن يسعوا في الإصلاح بينهما.

و قوله: «و اتقوا الله لعلكم ترحمون» موعظة للمتقاتلتين و المصلحين جميعا.

كلام في معنى الإخوة

و اعلم أن قوله: «إنما المؤمنون إخوة» جعل تشريعي لنسبة الإخوة بين المؤمنين لها آثار شرعية و حقوق مجعولة، و قد تقدم في بعض المباحث المتقدمة أن من الأبوة و البنوة و الأخوة و سائر أنواع القرابة ما هو اعتباري مجعول يعتبره الشرائع و القوانين لترتيب آثار خاصة عليه كالوراثة و الإنفاق و حرمة الإزدواج و غير ذلك، و منها ما هو طبيعي بالانتهاء إلى صلب واحد أو رحم واحدة أو هما.

و الاعتباري من القرابة غير الطبيعي منها فربما يجتمعان كالأخوين المتولدين بين الرجل و المرأة عن نكاح مشروع، و ربما يختلفان كالولد الطبيعي المتولد من زنا فإنه ليس ولدا في الإسلام و لا يلحق بمولده و إن كان ولدا طبيعيا، و كالداعي الذي هو ولد في بعض القوانين و ليس بولد طبيعي.

و اعتبار المعنى الاعتباري و إن كان لغرض ترتيب آثار حقيقته عليه كما يؤخذ أحد القوم رأسا لهم ليكون نسبته إليهم نسبة الرأس إلى البدن فيدبر أمر المجتمع و يحكم بينهم و فيهم كما يحكم الرأس على البدن.

لكن لما كان الاعتبار لمصلحة مقتضية كان تابعا للمصلحة فإن اقتضت ترتيب جميع آثار الحقيقة ترتبت عليه جميعا و إن اقتضت بعضها كان المترتب على الموضوع الاعتباري ذلك البعض كما أن القراءة مثلا جزء من الصلاة و الجزء الحقيقي ينتفي بانتفائه الكل مطلقا لكن القراءة لا ينتفي بانتفائها الصلاة إذا كان ذلك سهوا و إنما تبطل الصلاة إذا تركت عمدا.

و لذلك أيضا ربما اختلفت آثار معنى اعتباري بحسب الموارد المختلفة كجزئية الركوع حيث تبطل الصلاة بزيادته و نقيصته عمدا و سهوا بخلاف جزئية القراءة كما تقدم فمن الجائز أن يختلف الآثار المترتبة على معنى اعتباري بحسب الموارد المختلفة لكن لا تترتب الآثار الاعتبارية إلا على موضوع اعتباري كالإنسان يتصرف في ماله لكن لا بما أنه إنسان بل بما أنه مالك و الأخ يرث أخاه في الإسلام لا لأنه أخ طبيعي يشارك الميت في الوالد أو الوالدة أو فيهما - فولد الزنا كذلك و لا يرث أخاه الطبيعي - بل يرثه لأنه أخ في الشريعة الإسلامية.

و الإخوة من هذا القبيل فمنها أخوة طبيعية لا أثر لها في الشرائع و القوانين و هي اشتراك إنسانين في أب أو أم أو فيهما، و منها أخوة اعتبارية لها آثار اعتبارية و هي في الإسلام أخوة نسبية لها آثار في النكاح و الإرث، و أخوة رضاعية لها آثار في النكاح دون الإرث، و أخوة دينية لها آثار اجتماعية و لا أثر لها في النكاح و الإرث، و سيجيء قول الصادق (عليه السلام): المؤمن أخو المؤمن، عينه و دليله، لا يخونه، و لا يظلمه و لا يغشه، و لا يعده عدة فيخلفه.

و قد خفي هذا المعنى على بعض المفسرين فأخذ إطلاق الإخوة في كلامه تعالى على المؤمنين إطلاقا مجازيا من باب الاستعارة بتشبيه الاشتراك في الإيمان بالمشاركة في أصل التوالد لأن كلا منهما أصل للبقاء إذ التوالد منشأ الحياة، و الإيمان منشأ البقاء الأبدي في الجنان، و قيل: هو من باب التشبيه البليغ من حيث انتسابهم إلى أصل واحد هو الإيمان الموجب للبقاء الأبدي.

بحث روائي

في المجمع،: في قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا»: روى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: ما سلت السيوف، و لا أقيمت الصفوف في صلاة و لا زحوف، و لا جهر بأذان، و لا أنزل الله: «يا أيها الذين آمنوا» حتى أسلم أبناء قبيلة الأوس و الخزرج. أقول: و عن ابن عباس أيضا: ما نزل يا أيها الذين آمنوا إلا بالمدينة، و لا «يا أيها الناس» إلا بمكة الخبر.

و توقف بعضهم في عموم ذيله، و اعلم أن هناك روايات في الدر المنثور، و تفسير القمي، في سبب نزول قوله: «لا تقدموا بين يدي الله و رسوله» الآية لا تنطبق على الآية ذاك الانطباق تركناها من أراد الوقوف عليها فليراجعهما.

و في الدر المنثور، أخرج أحمد و البخاري و مسلم و أبو يعلى و البغوي في معجم الصحابة، و ابن المنذر و الطبراني و ابن مردويه و البيهقي في الدلائل، عن أنس قال: لما نزلت «يا أيها الذين آمنوا - لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي إلى قوله و أنتم لا تشعرون» و كان ثابت بن قيس بن شماس رفيع الصوت فقال: أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حبط عملي أنا من أهل النار، و جلس في بيته حزينا. ففقده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فانطلق بعض القوم إليه فقالوا له: فقدك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما لك؟ قال: أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أجهر له بالقول حبط عملي و أنا من أهل النار، فأتوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبروه بذلك فقال: لا بل هو من أهل الجنة. فلما كان يوم اليمامة قتل.

أقول: قوله: «فلما كان يوم اليمامة قتل» من كلام الراوي يريد أنه استشهد يوم اليمامة فكان ذلك تصديق قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، و الرواية مروية بطرق مختلفة أخرى باختلاف يسير.

و فيه، أخرج البخاري في الأدب، و ابن أبي الدنيا و البيهقي عن داود بن قيس قال: رأيت الحجرات من جريد النخل مغشي من خارج بمسوح الشعر و أظن عرض الباب من باب الحجرة إلى باب البيت نحوا من ستة أو سبعة أذرع و أحزر البيت الداخل عشرة أذرع، و أظن سمكه بين الثمان و السبع: أقول: و روي مثل صدره عن ابن سعد عن عطاء الخراساني قال: أدركت حجر أزواج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من جريد النخل على أبوابها المسوح من شعر أسود.

الحديث.

و فيه، أخرج أحمد و ابن أبي حاتم و الطبراني و ابن منده و ابن مردويه بسند جيد عن الحارث بن ضرار الخزاعي قال: قدمت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فدعاني إلى الإسلام فدخلت فيه و أقررت به، و دعاني إلى الزكاة فأقررت بها. قلت: يا رسول الله أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الإسلام و أداء الزكاة فمن استجاب لي و ترسل إلي يا رسول الله رسولا إبان كذا و كذا لتأتيك ما جمعت من الزكاة. فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له و بلغ الإبان الذي أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبعث إليه احتبس الرسول فلم يأت فظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطه من الله و رسوله فدعا بسروات قومه فقال لهم: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان وقت لي وقتا يرسل إلى رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة و ليس من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الخلف و لا أرى حبس رسوله إلا من سخطه فانطلقوا فنأتي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). و بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق فرجع فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: إن الحارث منعني الزكاة و أراد قتلي فضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) البعث إلى الحارث. فأقبل الحارث بأصحابه حتى إذا استقبل البعث و فصل عن المدينة لقيهم الحارث فقالوا: هذا الحارث فلما غشيهم قال لهم: إلى من بعثتم؟ قالوا: إليك. قال: و لم؟ قالوا: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث إليك الوليد بن عقبة فزعم أنك منعته الزكاة و أردت قتله. قال: لا و الذي بعث محمدا بالحق ما رأيته و لا أتاني. فلما دخل الحارث على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: منعت الزكاة و أردت قتل رسولي؟ قال: لا و الذي بعثك بالحق ما رأيته و لا رآني و ما أقبلت إلا حين احتبس علي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خشيت أن يكون كانت سخطة من الله و رسوله فنزل «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ - فتبينوا إلى قوله حكيم».

أقول: نزول الآية في قصة الوليد بن عقبة مستفيض من طرق أهل السنة و الشيعة و قال ابن عبد البر في الاستيعاب: و لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أن قوله عز و جل: «إن جاءكم فاسق بنبأ» نزلت في الوليد بن عقبة.

و في المحاسن، بإسناده عن زياد الحذاء عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث له قال: يا زياد ويحك و هل الدين إلا الحب؟ أ لا ترى إلى قول الله: «إن كنتم تحبون الله فاتبعوني - يحببكم الله و يغفر لكم ذنوبكم»؟ أ و لا ترون إلى قول الله لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم): «حبب إليكم الإيمان و زينه في قلوبكم» قال: «يحبون من هاجر إليهم» و قال: الحب هو الدين و الدين هو الحب: أقول: و روي في الكافي، بإسناده عن فضيل بن يسار عن الصادق (عليه السلام) ما في معناه و لفظه: و هل الإيمان إلا الحب و البغض؟ ثم تلا هذه الآية: «حبب إليكم الإيمان» إلى آخر الآية:. و في المجمع، و قيل: الفسوق هو الكذب عن ابن عباس و ابن زيد و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام):.

أقول: و في هذا المعنى بعض روايات أخر.

و في الكافي، بإسناده عن علي بن عقبة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المؤمن أخو المؤمن عينه و دليله لا يخونه و لا يظلمه و لا يغشه و لا يعده عدة فيخلفه.

أقول: و في معناه روايات أخر عنه (عليه السلام) و في بعضها: المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يخذله و لا يغتابه. و في المحاسن، بإسناده عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: المؤمن أخو المؤمن لأبيه و أمه و ذلك أن الله تبارك و تعالى خلق المؤمن من طينة جنان السماوات، و أجرى فيهم من ريح روحه فلذلك هو أخوه لأبيه و أمه. و في الدر المنثور، أخرج أحمد و البخاري و مسلم و ابن جرير و ابن المنذر و ابن مردويه و البيهقي في سننه عن أنس قال: قيل للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لو أتيت عبد الله بن أبي فانطلق و ركب حمارا و انطلق المسلمون يمشون و هي أرض سبخة، فلما انطلق إليهم قال: إليك عني فوالله لقد آذاني ريح حمارك. فقال رجل من الأنصار: و الله لحمار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أطيب ريحا منك، فغضب لعبد الله رجال من قومه فغضب لكل منهما أصحابه فكان بينهم ضرب بالجريد و الأيدي و النعال فأنزل فيهم «و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا - فأصلحوا بينهما».

أقول: و في بعض الروايات كما في المجمع، أن الذي قال ذلك لعبد الله بن أبي بن سلول هو عبد الله بن رواحة و أن التضارب وقع بين رهطه من الأوس و رهط عبد الله بن أبي من الخزرج، و في انطباق الآية بموضوعها و حكمها على هذه الروايات خفاء.

العودة إلى القائمة

التالي