الميزان في تفسير القرآن

سورة النساء

23 - 28

تابع
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ الَّلاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ الَّلاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ الَّلاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24) وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (25) يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا (28)

و في صحيحي البخاري و مسلم، و رواه في الدر المنثور، عن عبد الرزاق و ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: كنا نغزو مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و ليس معنا نساؤنا، فقلنا: أ لا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، و رخص لنا أن نتزوج المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله: يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم.

و في الدر المنثور، أخرج ابن أبي شيبة عن نافع: أن ابن عمر سئل عن المتعة فقال: حرام فقيل له: إن ابن عباس يفتي بها، قال فهلا ترمرم بها في زمان عمر.

و في الدر المنثور، أخرج ابن المنذر و الطبراني و البيهقي من طريق سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: ما ذا صنعت؟ ذهب الركاب بفتياك، و قالت فيه الشعراء، قال: و ما قالوا: قلت: قالوا: أقول للشيخ لما طال مجلسه. يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس؟. هل لك في رخصة الأطراف آنسة. تكون مثواك حتى مصدر الناس؟. فقال: إنا لله و إنا إليه راجعون، لا و الله ما بهذا أفتيت، و لا هذا أردت، و لا أحللتها إلا للمضطر، و لا أحللت منها إلا ما أحل الله من الميتة و الدم و لحم الخنزير.

و فيه، أخرج ابن المنذر من طريق عمار مولى الشريد قال: سألت ابن عباس عن المتعة أ سفاح هي أم نكاح؟ فقال: لا سفاح و لا نكاح، قلت: فما هي؟ قال: هي المتعة كما قال الله، قلت: هل لها من عدة؟ قال: عدتها حيضة، قلت: هل يتوارثان قال: لا.

و فيه، أخرج عبد الرزاق و ابن المنذر، من طريق عطاء عن ابن عباس قال: يرحم الله عمر ما كانت المتعة إلا رحمة من الله رحم بها أمة محمد، و لو لا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شقي، قال: و هي التي في سورة النساء: فما استمتعتم به منهن إلى كذا و كذا من الأجل على كذا و كذا، قال: و ليس بينهما وراثة، فإن بدا لهما أن يتراضيا بعد الأجل فنعم، و إن تفرقا فنعم و ليس بينهما نكاح، و أخبر: أنه سمع ابن عباس: أنه يراها الآن حلالا.

و في تفسير الطبري، و رواه في الدر المنثور، عن عبد الرزاق و أبي داود في ناسخه عن الحكم: أنه سئل عن هذه الآية أ منسوخة؟ قال: لا، و قال علي: لو لا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي.

و في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر و الدقيق الأيام على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أبي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث: أقول: و نقل عن جامع الأصول، لابن الأثير و زاد المعاد لابن القيم و فتح الباري لابن حجر و كنز العمال،.

و في الدر المنثور، أخرج مالك و عبد الرزاق عن عروة بن الزبير أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب، فقالت: إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة مولدة فحملت منه، فخرج عمر بن الخطاب يجر رداءه فزعا، فقال: هذه المتعة، و لو كنت تقدمت فيها لرجمت: أقول: و نقل عن الشافعي في كتاب الأم و البيهقي في السنن الكبرى.

و عن كنز العمال، عن سليمان بن يسار عن أم عبد الله ابنة أبي خيثمة: أن رجلا قدم من الشام فنزل عليها، فقال: إن العزبة قد اشتدت علي فابغيني امرأة أتمتع معها، قالت: فدللته على امرأة فشارطها و أشهدوا على ذلك عدولا، فمكث معها ما شاء الله أن يمكث، ثم إنه خرج فأخبر عن ذلك عمر بن الخطاب، فأرسل إلي فسألني أ حق ما حدثت؟ قلت: نعم قال: فإذا قدم فآذنيني، فلما قدم أخبرته فأرسل إليه فقال: ما حملك على الذي فعلته؟ قال: فعلته مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم لم ينهنا عنه حتى قبضه الله ثم مع أبي بكر فلم ينهنا عنه حتى قبضه الله، ثم معك فلم تحدث لنا فيه نهيا، فقال عمر: أما و الذي نفسي بيده لو كنت تقدمت في نهي لرجمتك، بينوا حتى يعرف النكاح من السفاح.

و في صحيح مسلم، و مسند أحمد، عن عطاء: قدم جابر بن عبد الله معتمرا فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة فقال: استمتعنا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أبي بكر و عمر، و في لفظ أحمد: حتى إذا كان في آخر خلافة عمر رضي الله عنه.

و عن سنن البيهقي، عن نافع عن عبد الله بن عمر: أنه سئل عن متعة النساء فقال: حرام أما إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لو أخذ فيها أحدا لرجمه بالحجارة.

و عن مرآة الزمان، لابن الجوزي: كان عمر رضي الله عنه يقول: و الله لا أوتي برجل أباح المتعة إلا رجمته.

و في بداية المجتهد، لابن رشد عن جابر بن عبد الله: تمتعنا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أبي بكر و نصفا من خلافة عمر ثم نهى عنها عمر الناس.

و في الإصابة، أخرج ابن الكلبي: أن سلمة بن أمية بن خلف الجمحي استمتع من سلمى مولاة حكيم بن أمية بن الأوقص الأسلمي فولدت له فجحد ولدها، فبلغ ذلك عمر فنهى عن المتعة.

و عن زاد المعاد، عن أيوب: قال عروة لابن عباس: أ لا تتقي الله ترخص في المتعة؟ فقال ابن عباس: سل أمك يا عرية فقال عروة: أما أبو بكر و عمر فلم يفعلا، فقال ابن عباس: و الله ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله، نحدثكم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، و تحدثونا عن أبي بكر و عمر.

أقول: و أم عروة أسماء بنت أبي بكر تمتع منها الزبير بن العوام فولدت له عبد الله بن الزبير، و عروة.

و في المحاضرات، للراغب: عير عبد الله بن الزبير عبد الله بن عباس بتحليله المتعة فقال له: سل أمك كيف سطعت المجامر بينها و بين أبيك؟ فسألها فقالت: ما ولدتك إلا في المتعة.

و في صحيح مسلم، عن مسلم القري قال: سألت ابن عباس عن المتعة فرخص فيها، و كان ابن الزبير ينهى عنها، فقال: هذه أم ابن الزبير تحدث أن رسول الله رخص فيها فادخلوا عليها فاسألوها، قال: فدخلنا عليها فإذا امرأة ضخمة عمياء فقالت: قد رخص رسول الله فيها.

أقول: و شاهد الحال المحكي يشهد أن السؤال عنها كان في متعة النساء و تفسره الروايات الأخر أيضا.

و في صحيح مسلم، عن أبي نضرة قال: كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال: ابن عباس و ابن الزبير اختلفا في المتعتين، فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما: أقول: و رواه البيهقي في السنن، على ما نقل، و روي هذا المعنى في صحيح مسلم، في مواضع ثلاث بألفاظ مختلفة، و في بعضها قال جابر: فلما قام عمر قال: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، فأتموا الحج و العمرة كما أمر الله، و انتهوا عن نكاح هذه النساء، لا أوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته.

و روى هذا المعنى البيهقي في سننه و في أحكام القرآن، للجصاص و في كنز العمال، و في الدر المنثور، و في تفسير الرازي، و مسند الطيالسي، و في تفسير القرطبي، عن عمر: أنه قال في خطبة: متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، و أنا أنهى عنهما و أعاقب عليهما: متعة الحج و متعة النساء.

أقول: و خطبته هذه مما تسالم عليه أهل النقل، و أرسلوه إرسال المسلمات كما عن تفسير الرازي، و البيان و التبيين، و زاد المعاد، و أحكام القرآن، و الطبري، و ابن عساكر و غيرهم.

و عن المستبين، للطبري عن عمر: أنه قال: ثلاث كن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنا محرمهن و معاقب عليهن: متعة الحج، و متعة النساء، و حي على خير العمل في الأذان.

و في تاريخ الطبري، عن عمران بن سوادة قال: صليت الصبح مع عمر فقرأ سبحان و سورة معها، ثم انصرف و قمت معه، فقال: أ حاجة؟ قلت: حاجة، قال: فالحق، قال: فلحقت فلما دخل أذن لي فإذا هو على سرير ليس فوقه شيء، فقلت: نصيحة، فقال: مرحبا بالناصح غدوا و عشيا، قلت، عابت أمتك أربعا، قال: فوضع رأس درته في ذقنه، و وضع أسفلها في فخذه، ثم قال: هات، قلت: ذكروا أنك حرمت العمرة في أشهر الحج و لم يفعل ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، و لا أبو بكر رضي الله عنه، و هي حلال، قال: هي حلال؟ لو أنهم اعتمروا في أشهر الحج رأوها مجزية من حجهم فكانت قائبة قوب عامها فقرع حجهم، و هو بهاء من بهاء الله، و قد أصبت. قلت: و ذكروا أنك حرمت متعة النساء، و قد كانت رخصة من الله، نستمتع بقبضة و نفارق عن ثلاث، قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحلها في زمان ضرورة ثم رجع الناس إلى السعة، ثم لم أعلم أحدا من المسلمين عمل بها و لا عاد إليها فالآن من شاء نكح بقبضة، و فارق عن ثلاث بطلاق. و قد أصبت. قال: قلت: و أعتقت الأمة إن وضعت ذا بطنها بغير عتاقة سيدها، قال: ألحقت حرمة بحرمة، و ما أردت إلا الخير، و أستغفر الله، قلت: و تشكو منك نهر الرعية، و عنف السياق، قال: فشرع الدرة ثم مسحها حتى أتى على آخرها، ثم قال: أنا زميل محمد و كان زامله في غزوة قرقرة الكدر فوالله إني لأرتع فأشبع، و أسقي فأروي، و أنهز اللفوث، و أزجر العروض، و أذب قدري، و أسوق خطوي، و أضم العنود، و ألحق القطوف، و أكثر الزجر، و أقل الضرب، و أشهر العصا، و أدفع باليد لو لا ذلك لأعذرت. قال: فبلغ ذلك معاوية فقال: كان و الله عالما برعيتهم: أقول: و نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، عن ابن قتيبة.

هذه عدة من الروايات الواردة في أمر متعة النساء، و الناظر المتأمل الباحث يرى ما فيها من التباين و التضارب، و لا يتحصل للباحث في مضامينها غير أن عمر بن الخطاب أيام خلافته حرمها و نهى عنها لرأي رآه في قصص عمرو بن حريث، و ربيعة بن أمية بن خلف الجمحي، و أما حديث النسخ بالكتاب أو السنة فقد عرفت عدم رجوعه إلى محصل، على أن بعض الروايات يدفع البعض في جميع مضامينها إلا في أن عمر بن الخطاب هو الناهي عنها المجري للمنع، المقرر حرمة العمل و حد الرجم لمن فعل - هذا أولا -.

و أنها كانت سنة معمولا بها في زمن النبي في الجملة بتجويز منه (صلى الله عليه وآله وسلم): إما إمضاء و إما تأسيسا، و قد عمل بها من أصحابه من لا يتوهم في حقه السفاح كجابر بن عبد الله، و عبد الله بن مسعود، و الزبير بن العوام، و أسماء بنت أبي بكر، و قد ولدت بها عبد الله بن الزبير - و هذا ثانيا -.

و إن في الصحابة و التابعين من كان يرى إباحتها كابن مسعود و جابر و عمرو بن حريث و غيرهم، و مجاهد و السدي و سعيد بن جبير و غيرهم - و هذا ثالثا -.

و هذا الاختلاف الفاحش بين الروايات هو المفضي للعلماء من الجمهور بعد الخلاف فيها من حيث أصل الجواز و الحرمة أولا، إلى الخلاف في نحو حرمتها و كيفية منعها ثانيا و ذهابهم فيها إلى أقوال مختلفة عجيبة ربما أنهي إلى خمسة عشر قولا.

و إن للمسألة جهات من البحث لا يهمنا إلا الورود من بعضها، فهناك بحث كلامي دائر بين الطائفتين: أهل السنة و الشيعة، و بحث آخر فقهي فرعي ينظر فيها إلى حكم المسألة من حيث الجواز و الحرمة، و بحث آخر تفسيري من حيث النظر في قوله تعالى: فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة الآية: هل مفاده تشريع نكاح المتعة؟ و هل هو بعد الفراغ عن دلالته على ذلك منسوخ بشيء من الآيات كآية المؤمنون أو آيات النكاح و التحريم و الطلاق و العدة و الميراث؟ و هل هو منسوخ بسنة نبوية؟ و هل هو على تقدير تشريعه يشرع حكما ابتدائيا أو حكما إمضائيا؟ إلى غير ذلك.

و هذا النحو الثالث من البحث هو الذي نعقبه في هذا الكتاب، و قد تقدم خلاصة القول في ذلك فيما تقدم من البيان، و نزيده الآن توضيحا بإلفات النظر إلى بعض ما قيل في المقام على دلالة الآية على نكاح المتعة و تسنينها، ذلك بما ينافي ما مر في البيان المتقدم.

قال بعضهم بعد إصراره على أن الآية إنما سيقت لبيان إيفاء المهر في النكاح الدائم: و ذهبت الشيعة إلى أن المراد بالآية نكاح المتعة، و هو نكاح المرأة إلى أجل معين كيوم أو أسبوع أو شهر مثلا، و استدلوا على ذلك بقراءة شاذة رويت عن أبي و ابن مسعود و ابن عباس رضي الله عنهم، و بالأخبار و الآثار التي رويت في المتعة.

قال: فأما القراءة فهي شاذة لم تثبت قرآنا، و قد تقدم أن ما صحت فيه الرواية من مثل هذا آحادا فالزيادة فيه من قبيل التفسير، و هو فهم لصاحبه، و فهم الصحابي ليس حجة في الدين لا سيما إذا كان النظم و الأسلوب يأباه كما هنا، فإن المتمتع بالنكاح الموقت لا يقصد الإحصان دون المسافحة بل يكون قصده الأول المسافحة، فإن كان هناك نوع ما من إحصان نفسه و منعها من التنقل في زمن الزنا، فإنه لا يكون فيه شيء ما من إحصان المرأة التي توجر نفسها كل طائفة من الزمن لرجل فتكون كما قيل: كرة حذفت بصوالجة.

فتلقاها رجل رجل.

أقول: أما قوله: إنهم استدلوا على ذلك بقراءة ابن مسعود و غيره فكل مراجع يراجع كلامهم يرى أنهم لم يستدلوا بها استدلالهم بحجة معتبرة قاطعة كيف و هم لا يرون حجية القراءات الشاذة حتى الشواذ المنقولة عن أئمتهم، فكيف يمكن أن يستدلوا بما لا يرونه حجة على من لا يراه حجة؟ فهل هذا إلا أضحوكة؟!.

بل إنما هو استدلال بقول من قرأ بها من الصحابة بما أنه قول منهم بكون المراد بالآية ذلك، سواء كان ذلك منهم قراءة مصطلحة، أو تفسيرا دالا على أنهم فهموا من لفظ الآية ذلك.

و ذلك ينفعهم من جهتين: إحداهما: أن عدة من الصحابة قالوا بما قال به هؤلاء المستدلون، و قد قال به - على ما نقل - جم غفير من صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و التابعين، و يمكن المراجع في الحصول على صحة ذلك أن يراجع مظانه.

و الثانية: أن الآية دالة على ذلك و يدل على ذلك قراءة هؤلاء من الصحابة كما يدل ما ورد عنهم في نسخ الآية أيضا أنهم تسلموا دلالتها على نكاح المتعة حتى رأوا نسخها أو رووا نسخها، و هي روايات كثيرة تقدمت عدة منها، فالشيعة يستفيدون من روايات النسخ كما يستفيدون من القراءة الشاذة المذكورة على حد سواء من دون أن يقولوا بحجية القراءة الشاذة كما لا يلزمهم القول بوقوع النسخ، و إنما يستفيدون من الجميع من جهة الدلالة على أن هؤلاء القراء و الرواة كانوا يرون دلالة الآية على نكاح المتعة.

و أما قوله: لا سيما إذا كان النظم و الأسلوب يأباه كما هنا، فكلامه يعطي أنه جعل المراد من المسافحة مجرد سفح الماء و صبه - أخذا بالأصل اللغوي المشتق منه - ثم جعله أمرا منوطا بالقصد، و لزمه أن الازدواج الموقت بقصد قضاء الشهوة و صب الماء سفاح لا نكاح، و قد غفل عن أن الأصل اللغوي في النكاح أيضا هو الوقاع، ففي لسان العرب: قال الأزهري: أصل النكاح في كلام العرب الوطء و لازم ما سلكه أن يكون النكاح أيضا سفاحا، و يختل به المقابلة بين النكاح و السفاح.

على أن لازم القول بأن قصد صب الماء يجعل الازدواج الموقت سفاحا أن يكون النكاح الدائم بقصد قضاء الشهوة و صب الماء سفاحا، و هل يرضى رجل مسلم أن يفتي بذلك؟ فإن قال: بين النكاح الدائم و المؤجل في ذلك فرق، فإن النكاح الدائم موضوع بطبعه على قصد الإحصان بالازدواج و إيجاد النسل، و تشكيل البيت بخلاف النكاح المؤجل.

فهذا منه مكابرة، فإن جميع ما يترتب على النكاح الدائم من الفوائد كصون النفس عن الزنا، و التوقي عن اختلال الأنساب، و إيجاد النسل و الولد، و تأسيس البيت يمكن أن يترتب على النكاح المؤجل، و يختص بأن فيه نوع تسهيل و تخفيف على هذه الأمة، يصون به نفسه من لا يقدر على النكاح الدائم لفقره أو لعدم قدرته على نفقة الزوجة، أو لغربة، أو لعوامل مختلفة أخر تمنعه عن النكاح الدائم.

و كذا كل ما يترتب على النكاح المؤجل - مما عده ملاكا للسفاح - كقصد صب الماء و قضاء الشهوة فإنه جائز الترتب على النكاح الدائم، و دعوى أن النكاح الدائم بالطبع موضوع للفوائد السابقة، و نكاح المتعة موضوع بالطبع لهذه المضار اللاحقة - على أن تكون مضارا - دعوى واضحة الفساد.

و إن قال: إن نكاح المتعة لما كان سفاحا كان زنا يقابل النكاح رد عليه: بأن السفاح الذي فسره بصب الماء أعم من الزنا، و ربما شمل النكاح الدائم و لا سيما إذا كان بقصد صب الماء.

و أما قوله: فإن كان هناك نوع ما من إحصان نفسه إلخ، فمن عجيب الكلام، و ليت شعري ما الفرق الفارق بين الرجل و المرأة في ذلك حتى يكون الرجل المتمتع يمكنه أن يحصن نفسه بنكاح المتعة من الزنا، و تكون المرأة لا يصح منها هذا القصد؟ و هل هذا إلا مجازفة.

و أما ما أنشده من الشعر في بحث حقيقي يتعرض لكشف حقيقة من الحقائق الدينية التي تتفرع عليها آثار هامة حيوية دنيوية و أخروية لا يستهان بها - سواء كان نكاح المتعة محرما أو مباحا -.

فما ذا ينفع الشعر و هو نسيج خيالي، الباطل أعرف عنده من الحق، و الغواية أمس به من الهداية.

و هلا أنشده في ذيل ما مر من الروايات، و لا سيما في ذيل قول عمر في رواية الطبري المتقدم: «فالآن من شاء نكح بقبضة و فارق عن ثلاث بطلاق».

و هل لهذا الطعن غرض يتوجه إليه إلا الله و رسوله في أصل تشريع هذا النوع من النكاح تأسيسا أو إمضاء و قد كان دائرا بين المسلمين في أول الإسلام بمرأى من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و مسمع بلا شك؟.

يتبع...

العودة إلى القائمة

التالي