الميزان في تفسير القرآن

سورة الأحزاب

63 - 73

يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (73)

بيان

آيات تذكر شأن الساعة و بعض ما يجري على الكفار من عذابها و تأمر المؤمنين بالقول السديد و تعدهم عليه وعدا جميلا ثم تختتم السورة بذكر الأمانة.

قوله تعالى: «يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله و ما يدريك لعل الساعة تكون قريبا» تذكر الآية سؤال الناس عن الساعة و إنما كانوا يريدون أن يقدر لهم زمن وقوعها و أنها قريبة أو بعيدة كما يومىء إليه التعبير عنها بالساعة فأمر أن يجيبهم بقصر العلم بها في الله سبحانه و على ذلك جرت الحال كلما ذكرت في القرآن.

و قوله: «و ما يدريك لعل الساعة تكون قريبا» زيادة في الإبهام و ليعلموا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مثل غيره في عدم العلم بها و ليس من الستر الذي أسره إليه و ستره من الناس.

قوله تعالى: «إن الله لعن الكافرين و أعد لهم سعيرا» لعن الكفار إبعادهم من الرحمة، و الإعداد التهيئة، و السعير النار التي أشعلت فالتهبت، و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: «خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا و لا نصيرا» الفرق بين الولي و النصير أن الولي يلي بنفسه تمام الأمر و المولى عليه بمعزل، و النصير يعين المنصور على بعض الأمر و هو إتمامه فالولي يتولى الأمر كله و النصير يتصدى بعضه، و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: «يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله و أطعنا الرسولا» تقلب وجوههم في النار تحولها لحال بعد حال فتصفر و تسود و تكون كالحة أو انتقالها من جهة إلى جهة لتكون أبلغ في مس العذاب كما يفعل باللحم المشوي.

و قولهم: «يا ليتنا أطعنا الله و أطعنا الرسولا» كلام منهم على وجه التحسر و التمني.

قوله تعالى: «و قالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا و كبراءنا فأضلونا السبيلا» السادة جمع سيد و هو - على ما في المجمع، - المالك المعظم الذي يملك تدبير السواد الأعظم و هو الجمع الأكثر، و الكبراء جمع كبير و لعل المراد به الكبير سنا فالعامة تطيع و تقلد أحد رجلين إما سيد القوم و إما أسنهم.

قوله تعالى: «ربنا آتهم ضعفين من العذاب و العنهم لعنا كبيرا» الضعفان المثلان و إنما سألوا لهم ضعفي العذاب لأنهم ضلوا في أنفسهم و أضلوا غيرهم، و لذلك أيضا سألوا لهم اللعن الكبير.

قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا و كان عند الله وجيها» نهي عن أن يكونوا كبعض بني إسرائيل فيعاملوا نبيهم بمثل ما عامل به بنو إسرائيل من الإيذاء و ليس المراد مطلق الإيذاء بقول أو فعل و إن كان منهيا عنه بل قوله: «فبرأه الله» يشهد بأنه كان إيذاء من قبيل التهمة و الافتراء المحوج في رفعه إلى التبرئة و التنزيه.

و لعل السكوت عن ذكر ما آذوا به موسى (عليه السلام) يؤيد ما ورد في الحديث أنهم قالوا: ليس لموسى ما للرجال فبرأه الله من قولهم و سيوافيك.

و أوجه ما قيل في إيذائهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه إشارة إلى قصة زيد و زينب، و إن يكن كذلك فمن إيذائه (صلى الله عليه وآله وسلم) ما في كثير من روايات القصة من سردها على نحو لا يناسب ساحة قدسه.

و قوله: «و كان عند الله وجيها» أي ذا جاه و منزلة و الجملة مضافا إلى اشتمالها على التبرئة إجمالا تعلل تبرئته تعالى له و للآية و ما بعدها نوع اتصال بالآيات الناهية عن إيذاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قولا سديدا»، السديد من السداد و هو الإصابة و الرشاد فالسديد من القول ما يجتمع فيه مطابقة الواقع و عدم كونه لغوا أو ذا فائدة غير مشروعة كالنميمة و غير ذلك فعلى المؤمن أن يختبر صدق ما يتكلم به و أن لا يكون لغوا أو يفسد به إصلاح.

قوله تعالى: «يصلح لكم أعمالكم و يغفر لكم ذنوبكم و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزا عظيما» رتب على ملازمة القول السديد إصلاح الأعمال و مغفرة الذنوب و ذلك أن النفس إذا لازمت القول السديد انقطعت عن كذب القول و لغو الحديث و الكلام الذي يترتب عليه فساد، و برسوخ هذه الصفة فيها تنقطع طبعا عن الفحشاء و المنكر و اللغو في الفعل و عند ذلك يصلح أعمال الإنسان فيندم بالطبع على ما ضيعه من عمره في موبقات الذنوب إن كان قد ابتلي بشيء من ذلك و كفى بالندم توبة.

و يحفظه الله فيما بقي من عمره عن اقتحام المهلكات و إن رام شيئا من صغائر الذنوب غفر الله له فقد قال الله تعالى: «إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم»: النساء: 31، فملازمة القول السديد تسوق الإنسان إلى صلاح الأعمال و مغفرة الذنوب بإذن الله.

و قوله: «و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزا عظيما» وعد جميل على الإتيان بجميع الأعمال الصالحة و الاجتناب عن جميع المناهي بترتيب الفوز العظيم على طاعة الله و رسوله.

و بذلك تختتم السورة في معناها في الحقيقة لأن طاعة الله و رسوله هي الكلمة الجامعة بين جميع الأحكام السابقة، من واجبات و محرمات و الآيتان التاليتان كالمتمم لمعنى هذه الآية.

قوله تعالى: «إنا عرضنا الأمانة على السماوات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا - إلى قوله - غفورا رحيما» الأمانة - أيا ما كانت - شيء يودع عند الغير ليحتفظ عليه ثم يرده إلى من أودعه، فهذه الأمانة المذكورة في الآية شيء ائتمن الله الإنسان عليه ليحفظ على سلامته و استقامته ثم يرده إليه سبحانه كما أودعه.

و يستفاد من قوله: «ليعذب الله المنافقين و المنافقات» إلخ، أنه أمر يترتب على حمله النفاق و الشرك و الإيمان، فينقسم حاملوه باختلاف كيفية حملهم إلى منافق و مشرك و مؤمن.

فهو لا محالة أمر مرتبط بالدين الحق الذي يحصل بالتلبس به و عدم التلبس به النفاق و الشرك و الإيمان.

فهل هو الاعتقاد الحق و الشهادة على توحده تعالى أو مجموع الاعتقاد و العمل بمعنى أخذ الدين الحق بتفاصيله مع الغض عن العمل به، أو التلبس بالعمل به أو الكمال الحاصل للإنسان من جهة التلبس بواحد من هذه الأمور.

و ليست هي الأول أعني التوحيد فإن السماوات و الأرض و غيرهما من شيء توحده تعالى و تسبح بحمده، و قد قال تعالى: «و إن من شيء إلا يسبح بحمده»: إسراء: 44، و الآية تصرح بإبائها عنه.

و ليست هي الثاني أعني الدين الحق بتفاصيله فإن الآية تصرح بحمل الإنسان كائنا من كان من مؤمن و غيره له و من البين أن أكثر من لا يؤمن لا يحمله و لا علم له به، و بهذا يظهر أنها ليست بالثالث و هو التلبس بالعمل بالدين الحق تفصيلا.

و ليست هي الكمال الحاصل له بالتلبس بالتوحيد فإن السماوات و الأرض و غيرهما ناطقة بالتوحيد فعلا متلبسة به.

و ليست هي الكمال الحاصل من أخذ دين الحق و العلم به إذ لا يترتب على نفس الاعتقاد الحق و العلم بالتكاليف الدينية نفاق و لا شرك و لا إيمان و لا يستعقب سعادة و لا شقاء و إنما يترتب الأثر على الالتزام بالاعتقاد الحق و التلبس بالعمل.

فبقي أنها الكمال الحاصل له من جهة التلبس بالاعتقاد و العمل الصالح و سلوك سبيل الكمال بالارتقاء من حضيض المادة إلى أوج الإخلاص الذي هو أن يخلصه الله لنفسه فلا يشاركه فيه غيره فيتولى هو سبحانه تدبير أمره و هو الولاية الإلهية.

فالمراد بالأمانة الولاية الإلهية و بعرضها على هذه الأشياء اعتبارها مقيسة إليها و المراد بحملها و الإباء عنه وجود استعدادها و صلاحية التلبس بها و عدمه، و هذا المعنى هو القابل لأن ينطبق على الآية فالسماوات و الأرض و الجبال على ما فيها من العظمة و الشدة و القوة فاقدة لاستعداد حصولها فيها و هو المراد بإبائهن عن حملها و إشفاقهن منها.

لكن الإنسان الظلوم الجهول لم يأب و لم يشفق من ثقلها و عظم خطرها فحملها على ما بها من الثقل و عظم الخطر فتعقب ذلك أن انقسم الإنسان من جهة حفظ الأمانة و عدمه بالخيانة إلى منافق و مشرك و مؤمن بخلاف السماوات و الأرض و الجبال فما منها إلا مؤمن مطيع.

فإن قلت: ما بال الحكيم العليم حمل على هذا المخلوق الظلوم الجهول حملا لا يتحمله لثقله و عظم خطره السماوات و الأرض و الجبال على عظمتها و شدتها و قوتها و هو يعلم أنه أضعف من أن يطيق حمله و إنما حمله على قبولها ظلمه و جهله و أجرأه عليه غروره و غفلته عن عواقب الأمور فما تحميله الأمانة باستدعائه لها ظلما و جهلا إلا كتقليد مجنون ولاية عامة يأبى قبولها العقلاء و يشفقون منها يستدعيها المجنون لفساد عقله و عدم استقامة فكره.

قلت: الظلم و الجهل في الإنسان و إن كانا بوجه ملاك اللوم و العتاب فهما بعينهما مصحح حمله الأمانة و الولاية الإلهية فإن الظلم و الجهل إنما يتصف بهما من كان من شأنه الاتصاف بالعدل و العلم فالجبال مثلا لا تتصف بالظلم و الجهل فلا يقال: جبل ظالم أو جاهل لعدم صحة اتصافه بالعدل و العلم و كذلك السماوات و الأرض لا يحمل عليها الظلم و الجهل لعدم صحة اتصافها بالعدل و العلم بخلاف الإنسان.

و الأمانة المذكورة في الآية و هي الولاية الإلهية و كمال صفة العبودية إنما تتحصل بالعلم بالله و العمل الصالح الذي هو العدل و إنما يتصف بهذين الوصفين أعني العلم و العدل الموضوع القابل للجهل و الظلم فكون الإنسان في حد نفسه و بحسب طبعه ظلوما جهولا هو المصحح لحمل الأمانة الإلهية فافهم ذلك.

فمعنى الآيتين يناظر بوجه معنى قوله تعالى: «لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون»: التين: 6.

فقوله تعالى: «إنا عرضنا الأمانة» أي الولاية الإلهية و الاستكمال بحقائق الدين الحق علما و عملا و عرضها هو اعتبارها مقيسة إلى هذه الأشياء.

و قوله: «على السماوات و الأرض و الجبال» أي هذه المخلوقات العظيمة التي خلقها أعظم من خلق الإنسان كما قال: «لخلق السماوات و الأرض أكبر من خلق الناس»: المؤمن: 57، و قوله: «فأبين أن يحملنها و أشفقن منها» إباؤها عن حملها و إشفاقها منها عدم اشتمالها على صلاحية التلبس و تجافيها عن قبولها و في التعبير بالحمل إيماء إلى أنها ثقيلة ثقلا لا يحتملها السماوات و الأرض و الجبال.

و قوله: «و حملها الإنسان» أي اشتمل على صلاحيتها و التهيؤ للتلبس بها على ضعفه و صغر حجمه «إنه كان ظلوما جهولا» أي ظالما لنفسه جاهلا بما تعقبه هذه الأمانة لو خانها من وخيم العاقبة و الهلاك الدائم.

و بمعنى أدق لكون الإنسان خاليا بحسب نفسه عن العدل و العلم قابلا للتلبس بما يفاض عليه من ذلك و الارتقاء من حضيض الظلم و الجهل إلى أوج العدل و العلم.

و الظلوم و الجهول وصفان من الظلم و الجهل معناهما من كان من شأنه الظلم و الجهل نظير قولنا: فرس شموس و دابة جموح و ماء طهور أي من شأنها ذلك كما قاله الرازي أو معناهما المبالغة في الظلم و الجهل كما ذكر غيره، و المعنى مستقيم كيفما كانا.

و قوله: «ليعذب الله المنافقين و المنافقات و المشركين و المشركات» اللام للغاية أي كانت عاقبة هذا الحمل أن يعذب الله المنافقين و المنافقات و المشركين و المشركات و ذلك أن الخائن للأمانة يتظاهر في الأغلب بالصلاح و الأمانة و هو النفاق و قليلا ما يتظاهر بالخيانة لها و لعل اعتبار هذا المعنى هو الموجب لتقديم المنافقين و المنافقات في الآية على المشركين و المشركات.

و قوله: «و يتوب الله على المؤمنين و المؤمنات و كان الله غفورا رحيما» عطف على «يعذب» أي و كان عاقبة ذلك أن يتوب الله على المؤمنين و المؤمنات، و التوبة من الله هي رجوعه إلى عبده بالرحمة فيرجع إلى الإنسان إذا آمن به و لم يخن بالرحمة و يتولى أمره و هو ولي المؤمنين فيهديه إليه بالستر على ظلمه و جهله و تحليته بالعلم النافع و العمل الصالح لأنه غفور رحيم.

فإن قلت: ما هو المانع من جعل الأمانة بمعنى التكليف و هو الدين الحق و كون الحمل بمعنى الاستعداد و الصلاحية و الإباء هو فقده و العرض هو اعتبار القياس فيجري فيه حينئذ جميع ما تقدم في بيان الانطباق على الآية.

قلت: نعم لكن التكليف إنما هو مطلوب لكونه مقدمة لحصول الولاية الإلهية و تحقق صفة العبودية الكاملة فهي المعروضة بالحقيقة و المطلوبة لنفسها.

و الالتفات في قوله: «ليعذب الله» من التكلم إلى الغيبة و الإتيان باسم الجلالة للدلالة على أن عواقب الأمور إلى الله سبحانه لأنه الله.

و وضع الظاهر موضع المضمر في قوله: «و يتوب الله على المؤمنين و المؤمنات» للإشعار بكمال العناية في حقهم و الاهتمام بأمرهم.

و لهم في تفسير الأمانة المذكورة في الآية أقوال مختلفة: فقيل: المراد بها التكاليف الموجبة طاعتها دخول الجنة و معصيتها دخول النار و المراد بعرضها على السماوات و الأرض و الجبال اعتبارها بالنسبة إلى استعدادها و إباؤهن عن حملها و إشفاقهن منها عدم استعدادهن لها، و حمل الإنسان لها استعداده، و الكلام جار مجرى التمثيل.

و قيل: المراد بها العقل الذي هو ملاك التكليف و مناط الثواب و العقاب.

و قيل: هي قول لا إله إلا الله.

و قيل: هي الأعضاء فالعين أمانة من الله يجب حفظها و عدم استعمالها إلا فيما يرتضيه الله تعالى، و كذلك السمع و اليد و الرجل و الفرج و اللسان.

و قيل: المراد بها أمانات الناس و الوفاء بالعهود.

و قيل: المراد بها معرفة الله بما فيها و هذا أقرب الأقوال من الحق يرجع بتقريب ما إلى ما قدمنا.

و كذلك اختلف في معنى عرض الأمانة عليها على أقوال: منها: أن العرض بمعناه الحقيقي غير أن المراد بالسماوات و الأرض و الجبال أهلها فعرضت على أهل السماء من الملائكة و بين لهم أن في خيانتها الإثم العظيم فأبوها و خافوا حملها و عرض على الإنسان فلم يمتنع.

و منها: أنه بمعناه الحقيقي و ذلك أن الله لما خلق هذه الأجرام خلق فيها فهما و قال لها: إني فرضت فريضة و خلقت جنة لمن أطاعني فيها و نارا لمن عصاني فيها فقلن: نحن مسخرات لما خلقتنا لا نحتمل فريضة و لا نبغي ثوابا و لا عقابا و لما خلق آدم عرض عليه ذلك فاحتمله و كان ظلوما لنفسه جهولا بوخامة عاقبته.

و منها: أن المراد بالعرض المعارضة و المقابلة، و محصل الكلام أنا قابلنا بهذه الأمانة السماوات و الأرض و الجبال فكانت هذه أرجح و أثقل منها.

و منها أن الكلام جار مجرى الفرض و التقدير و المعنى: أنا لو قدرنا أن السماوات و الأرض و الجبال فهما، و عرضنا عليها هذه الأمانة لأبين حملها و أشفقن منها لكن الإنسان تحملها.

و بالمراجعة إلى ما قدمناه يظهر ما في كل من هذه الأقوال من جهات الضعف و الوهن فلا تغفل.

بحث روائي

في الكافي، بإسناده عن محمد بن سالم عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: و لا يلعن الله مؤمنا قال الله عز و جل: «إن الله لعن الكافرين و أعد لهم سعيرا - خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا و لا نصيرا».

و في تفسير القمي، بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): أن بني إسرائيل كانوا يقولون: ليس لموسى ما للرجال، و كان موسى إذا أراد الاغتسال ذهب إلى موضع لا يراه فيه أحد فكان يوما يغتسل على شط نهر و قد وضع ثيابه على صخرة فأمر الله الصخرة فتباعدت عنه حتى نظر بنو إسرائيل إليه فعلموا أن ليس كما قالوا فأنزل الله «يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى» الآية. و في المجمع،: و اختلفوا فيما أوذي به موسى على أقوال: أحدها: أن موسى و هارون صعدا الجبل فمات هارون فقالت بنو إسرائيل: أنت قتلته فأمر الله الملائكة فحملته حتى مروا به على بني إسرائيل و تكلمت الملائكة بموته حتى عرفوا أنه قد مات و برأه الله من ذلك عن علي و ابن عباس. و ثانيها: أن موسى كان حييا ستيرا يغتسل وحده فقالوا: ما يستتر منا إلا لعيب في جلده إما برص و أما أدرة فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر فمر الحجر بثوبه فطلبه موسى فرآه بنو إسرائيل عريانا كأحسن الرجال خلقا فبرأه الله مما قالوا. رواه أبو هريرة مرفوعا.

يتبع...

العودة إلى القائمة

التالي