الميزان في تفسير القرآن |
سورة آل عمران |
7 - 9 |
تابع |
||
و من المعلوم أن العمل من أي نوع كان هو من رشحات العلم يترشح من اعتقاد قلبي يناسبه، و قد استدل تعالى على كفر اليهود و على فساد ضمير المشركين و على نفاق المنافقين من المسلمين و على إيمان عدة من الأنبياء و المؤمنين بأعمالهم و أفعالهم في آيات كثيرة جدا يطول ذكرها، فالعمل كيف كان يلازم ما يناسبه من العلم و يدل عليه. و بالعكس يستلزم كل نوع من العمل ما يناسبه من العلم و يحصله و يركزه في النفس كما قال تعالى: «و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و إن الله لمع المحسنين»: العنكبوت - 69، و قال تعالى: «و اعبد ربك حتى يأتيك اليقين»: الحجر - 99، و قال أيضا: «ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوآى أن كذبوا بآيات الله و كانوا بها يستهزئون»: الروم - 10، و قال: «فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه و بما كانوا يكذبون»: البراءة - 77، و الآيات في هذا المعنى أيضا كثيرة تدل الجميع على أن العمل صالحا كان أو طالحا يولد من أقسام المعارف و الجهالات و هي العلوم المخالفة للحق ما يناسبه. و قال تعالى - و هو كالكلمة الجامعة في العمل الصالح و العلم النافع -: «إليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه»: الفاطر - 10، فبين أن شأن الكلم الطيب و هو الاعتقاد الحق أن يصعد إلى الله تعالى و يقرب صاحبه منه، و شأن العمل الصالح أن يرفع هذا العلم و الاعتقاد. و من المعلوم أن ارتفاع العلم في صعوده إنما هو بخلوصه من الشك و الريب و كمال توجه النفس إليه و عدم تقسيم القلب فيه و في غيره و هو مطلق الشرك فكلما كمل خلوصه من الشك و الخطوات اشتد صعوده و ارتفاعه. و لفظ الآية لا يخلو عن دلالة على ذلك فإنها عبرت في الكلم الطيب بالصعود و وصف العمل بالرفع، و الصعود يقابل النزول كما أن الرفع يقابل الوضع، و هما أعني الصعود و الارتفاع وصفان يتصف بهما المتحرك من السفل إلى العلو بنسبته إلى الجانبين فهو صاعد بالنظر إلى قصده العلو و اقترابه منه، و مرتفع من جهة انفصاله من السفل و ابتعاده منه، فالعمل يبعد الإنسان و يفصله من الدنيا و الإخلاد إلى الأرض بصرف نفسه عن التعلق بزخارفها الشاغلة و التشتت و التفرق بهذه المعلومات الفانية غير الباقية و كلما زاد الرفع و الارتفاع زاد صعود الكلم الطيب، و خلصت المعرفة عن شوائب الأوهام و قذارات الشكوك، و من المعلوم أيضا كما مر: أن العمل الصالح ذو مراتب و درجات، فلكل درجة من العمل الصالح رفع الكلم الطيب و توليد العلوم و المعارف الحقة الإلهية على ما يناسب حالها. و الكلام في العمل الطالح و وضعه الإنسان نظير الكلام في العمل الصالح و رفعه و قد مر بعض الكلام في ذلك في تفسير قوله تعالى: «اهدنا الصراط المستقيم»: الحمد - 6. فظهر أن للناس بحسب مراتب قربهم و بعدهم منه تعالى مراتب مختلفة من العمل و العلم، و لازمه أن يكون ما يتلقاه أهل واحدة من المراتب و الدرجات غير ما يتلقاه أهل المرتبة و الدرجة الأخرى التي فوق هذه أو تحتها، فقد تبين أن للقرآن معاني مختلفة مترتبة. و قد ذكر الله سبحانه أصنافا من عباده و خص كل صنف بنوع من العلم و المعرفة لا يوجد في الصنف الآخر كالمخلصين و خص بهم العلم بأوصاف ربهم حق العلم، قال تعالى: «سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين»: الصافات - 160، و خص بهم أشياء أخر من المعرفة و العلم سيجيء بيانها إن شاء الله تعالى، و كالموقنين و خص بهم مشاهدة ملكوت السماوات و الأرض قال تعالى: «و كذلك نري إبراهيم ملكوت السموات و الأرض و ليكون من الموقنين»: الأنعام - 75، و كالمنيبين و خص بهم التذكر، قال تعالى: «و ما يتذكر إلا من ينيب»: المؤمن - 13، و كالعالمين و خص بهم عقل أمثال القرآن، قال تعالى: «و تلك الأمثال نضربها للناس و ما يعقلها إلا العالمون»: العنكبوت - 43، و كأنهم أولوا الألباب و المتدبرون لقوله تعالى: «أ فلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها»: محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) - 24، و لقوله تعالى: «أ فلا يتدبرون القرآن و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا»: النساء - 82، فإن مؤدى الآيات الثلاث يرجع إلى معنى واحد و هو العلم بمتشابه القرآن و رده إلى محكمه، و كالمطهرين خصهم الله بعلم تأويل الكتاب قال تعالى: «إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون»: الواقعة - 79، و كالأولياء و هم أهل الوله و المحبة لله و خص بهم أنهم لا يلتفتون إلى شيء إلا الله سبحانه و لذلك لا يخافون شيئا و لا يحزنون لشيء، قال تعالى: «ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون»: يونس - 62، و كالمقربين و المجتبين و الصديقين و الصالحين و المؤمنين و لكل منهم خواص من العلم و الإدراك يختصون بها، سنبحث عنها في المحال المناسبة لها. و نظير هذه المقامات الحسنة مقامات سوء في مقابلها، و لها خواص رديئة في باب العلم و المعرفة، و لها أصحاب كالكافرين و المنافقين و الفاسقين و الظالمين و غيرهم، و لهم أنصباء من سوء الفهم و رداءة الإدراك لآيات الله و معارفه الحقة، طوينا ذكرها إيثارا للاختصار، و سنتعرض لها في خلال أبحاث هذا الكتاب إن شاء الله. العاشر: أن للقرآن اتساعا من حيث انطباقه على المصاديق و بيان حالها فالآية منه لا يختص بمورد نزولها بل يجري في كل مورد يتحد مع مورد النزول ملاكا كالأمثال التي لا تختص بمواردها الأول، بل تتعداها إلى ما يناسبها، و هذا المعنى هو المسمى بجري القرآن، و قد مر بعض الكلام فيه في أوائل الكتاب. بحث روائي في تفسير العياشي،: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن المحكم و المتشابه قال: المحكم ما يعمل به و المتشابه ما اشتبه على جاهله. أقول: و فيه تلويح إلى أن المتشابه مما يمكن العلم به. و فيه، أيضا عنه (عليه السلام): أن القرآن محكم و متشابه: فأما المحكم فتؤمن به و تعمل به و تدين، و أما المتشابه فتؤمن به و لا تعمل به، و هو قول الله عز و جل: و أما الذين في قلوبهم زيغ - فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة - و ابتغاء تأويله و ما يعلم تأويله إلا الله - و الراسخون في العلم يقولون آمنا به - كل من عند ربنا. و الراسخون في العلم هم آل محمد. أقول: و سيجيء كلام في معنى قوله (عليه السلام): و الراسخون في العلم هم آل محمد. و فيه، أيضا عن مسعدة بن صدقة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الناسخ و المنسوخ و المحكم و المتشابه قال: الناسخ الثابت المعمول به، و المنسوخ ما قد كان يعمل به ثم جاء ما نسخه، و المتشابه ما اشتبه على جاهله. قال: و في رواية: الناسخ الثابت، و المنسوخ ما مضى، و المحكم ما يعمل به، و المتشابه ما يشبه بعضه بعضا. و في الكافي، عن الباقر (عليه السلام) في حديث قال: فالمنسوخات من المتشابهات و في العيون، عن الرضا (عليه السلام): من رد متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم. ثم قال إن في أخبارنا متشابها كمتشابه القرآن، فردوا متشابهها إلى محكمها، و لا تتبعوا متشابهها فتضلوا. أقول: الأخبار كما ترى متقاربة في تفسير المتشابه، و هي تؤيد ما ذكرناه في البيان السابق: أن التشابه يقبل الارتفاع، و أنه إنما يرتفع بتفسير المحكم له. و أما كون المنسوخات من المتشابهات فهو كذلك كما تقدم و وجه تشابهها ما يظهر منها من استمرار الحكم و بقائه، و يفسره الناسخ ببيان أن استمراره مقطوع. و أما ما ذكره (عليه السلام) في خبر العيون: أن في أخبارنا متشابها كمتشابه القرآن و محكما كمحكم القرآن، فقد وردت في هذا المعنى عنهم (عليهم السلام) روايات مستفيضة، و الاعتبار يساعده فإن الأخبار لا تشتمل إلا على ما اشتمل عليه القرآن الشريف، و لا تبين إلا ما تعرض له و قد عرفت فيما مر: أن التشابه من أوصاف المعنى الذي يدل عليه اللفظ و هو كونه بحيث يقبل الانطباق على المقصود و على غيره لا من أوصاف اللفظ من حيث دلالته على المعنى نظير الغرابة و الإجمال، و لا من أوصاف أعم من اللفظ و المعنى. و بعبارة أخرى: إنما عرض التشابه لما عرض عليه من الآيات لكون بياناتها جارية مجرى الأمثال بالنسبة إلى المعارف الحقة الإلهية، و هذا المعنى بعينه موجود في الأخبار ففيها متشابه و محكم كما في القرآن، و قد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: إنا معاشر الأنبياء نكلم الناس على قدر عقولهم و في تفسير العياشي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليه السلام): أن رجلا قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): هل تصف لنا ربنا نزداد له حبا و معرفة؟ فغضب و خطب الناس فقال فيما قال عليك يا عبد الله بما دلك عليه القرآن من صفته و تقدمك فيه الرسول من معرفته، و استضىء من نور هدايته فإنما هي نعمة و حكمة أوتيتها، فخذ ما أوتيت و كن من الشاكرين، و ما كلفك الشيطان عليه مما ليس عليك في الكتاب فرضه، و لا في سنة الرسول و أئمة الهدى أمره فكل علمه إلى الله، و لا تقدر عظمة الله و اعلم يا عبد الله: أن الراسخين في العلم الذين اختارهم الله عن الاقتحام في السدد المضروبة دون الغيوب فلزموا الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فقالوا آمنا به كل من عند ربنا، و قد مدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما، و سمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عنه منهم رسوخا فاقتصر على ذلك و لا تقدر عظمة الله على قدر عقلك فتكون من الهالكين. أقول: قوله (عليه السلام): و اعلم يا عبد الله أن الراسخين في العلم الخ ظاهر في أنه (عليه السلام) أخذ الواو في قوله تعالى: و الراسخون في العلم يقولون، للاستيناف دون العطف كما استظهرناه من الآية و مقتضى ذلك أن ظهور الآية لا يساعد على كون الراسخين في العلم عالمين بتأويله، لا أنه يساعد على عدم إمكان علمهم به، فلا ينافي وجود بيان آخر يدل عليه كما تقدم بيانه و هو ظاهر بعض الأخبار عن أئمة أهل البيت كما سيأتي. و قوله (عليه السلام): الذين أغناهم الله عن الاقتحام في السدد المضروبة دون الغيوب، خبر أن، و الكلام ظاهر في تحضيض المخاطب و ترغيبه أن يلزم طريقة الراسخين في العلم بالاعتراف بالجهل فيما جهله فيكون منهم، و هذا دليل على تفسيره (عليه السلام) الراسخين في العلم بمطلق من لزم ما علمه و لم يتعد إلى ما جهله. و المراد بالغيوب المحجوبة بالسدد: المعاني المرادة بالمتشابهات المخفية عن الأفهام العامة و لذا أردفه بقوله ثانيا: فلزموا الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره، و لم يقل بجملة ما جهلوا تأويله فافهم. و في الكافي، عن الصادق (عليه السلام): نحن الراسخون في العلم و نحن نعلم تأويله. أقول: و الرواية لا تخلو عن ظهور في كون قوله تعالى و الراسخون في العلم، معطوفا على المستثنى في قوله: و ما يعلم تأويله إلا الله لكن هذا الظهور يرتفع بما مر من البيان و ما تقدم من الرواية، و لا يبعد كل البعد أن يكون المراد بالتأويل هو المعنى المراد بالمتشابه فإن هذا المعنى من التأويل المساوق لتفسير المتشابه كان شائعا في الصدر الأول بين الناس. و أما قوله (عليه السلام): نحن الراسخون في العلم، و قد تقدم في رواية للعياشي عن الصادق (عليه السلام) قوله: و الراسخون في العلم هم آل محمد، و هذه الجملة مروية في روايات أخر أيضا فجميع ذلك من باب الجري و الانطباق كما يشهد بذلك ما تقدم و يأتي من الروايات. و في الكافي، أيضا عن هشام بن الحكم قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) إلى أن قال: يا هشام إن الله حكى عن قوم صالحين: أنهم قالوا: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا - و هب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، علموا أن القلوب تزيغ و تعود إلى عماها و رداها، إنه لم يخف الله من لم يعقل عن الله، و من لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة ينظرها و يجد حقيقتها في قلبه، و لا يكون أحد كذلك إلا من كان قوله لفعله مصدقا، و سره لعلانيته موافقا، لأن الله عز اسمه لم يدل على الباطن الخفي من العقل إلا بظاهر منه و ناطق عنه. أقول: قوله (عليه السلام): لم يخف الله من لم يعقل عن الله، في معنى قوله تعالى: «إنما يخشى الله من عباده العلماء»، و قوله (عليه السلام): و من لم يعقل عن الله «الخ» أحسن بيان لمعنى الرسوخ في العلم لأن الأمر ما لم يعقل حق التعقل لم ينسد طرق الاحتمالات فيه، و لم يزل القلب مضطربا في الإذعان به و إذا تم التعقل و عقد القلب عليه لم يخالفه باتباع ما يخالفه من الهوى فكان ما في قلبه هو الظاهر في جوارحه و كان ما يقوله هو الذي يفعله، و قوله: و لا يكون أحد كذلك الخ بيان لعلامة الرسوخ في العلم. و في الدر المنثور، أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم و الطبراني عن أنس و أبي أمامة و وائلة بن أسقف و أبي الدرداء: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سئل عن الراسخين في العلم فقال: من برت يمينه و صدق لسانه و استقام قلبه، و من عف بطنه و فرجه فذلك من الراسخين في العلم. أقول: و يمكن توجيه الرواية بما يرجع إلى معنى الحديث السابق. و في الكافي، عن الباقر (عليه السلام): أن الراسخين في العلم من لا يختلف في علمه. أقول: و هو منطبق على الآية، فإن الراسخين في العلم قوبل به فيها قوله: الذين في قلوبهم زيغ، فيكون رسوخ العلم عدم اختلاف العالم و ارتيابه. و في الدر المنثور، أخرج ابن أبي شيبة و أحمد و الترمذي و ابن جرير و الطبراني و ابن مردويه عن أم سلمة: أن رسول الله كان يكثر في دعائه أن يقول اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. قلت: يا رسول الله و إن القلوب لتتقلب؟ قال نعم ما خلق الله من بشر من بني آدم إلا و قلبه بين إصبعين من أصابع الله فإن شاء أقامه، و إن شاء أزاغه، الحديث. أقول: و روي هذا المعنى بطرق عديدة عن عدة من الصحابة كجابر و نواس بن شمعان و عبد الله بن عمر و أبي هريرة، و المشهور في هذا الباب ما في حديث نواس: قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن. و قد روى اللفظة فيما أظن الشريف الرضي في المجازات النبوية. و روي عن علي (عليه السلام): أنه قيل له. هل عندكم شيء من الوحي؟ قال: لا و الذي فلق الحبة و برأ النسمة إلا أن يعطي الله عبدا فهما في كتابه. أقول: و هو من غرر الأحاديث، و أقل ما يدل عليه: أن ما نقل من أعاجيب المعارف الصادرة عن مقامه العلمي الذي يدهش العقول مأخوذ من القرآن الكريم. و الكافي، عن الصادق عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا أيها الناس إنكم في دار هدنة، و أنتم على ظهر سفر، و السير بكم سريع، و قد رأيتم الليل و النهار و الشمس و القمر يبليان كل جديد، و يقربان كل بعيد، و يأتيان بكل موعود، فأعدوا الجهاز لبعد المجاز، قال: فقام المقداد بن الأسود فقال: يا رسول الله و ما دار الهدنة؟ فقال: دار بلاغ و انقطاع، فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع، و ماحل مصدق، و من جعله أمامه قاده إلى الجنة، و من جعله خلفه ساقه إلى النار، و هو الدليل يدل على خير سبيل، و هو كتاب فيه تفصيل و بيان و تحصيل، و هو الفصل ليس بالهزل، و له ظهر و بطن، فظاهره حكم و باطنه علم، ظاهره أنيق و باطنه عميق، له تخوم و على تخومه تخوم، لا تحصى عجائبه، و لا تبلى غرائبه، فيه مصابيح الهدى، و منار الحكمة، و دليل على المعرفة لمن عرف الصفة، فليجل جال بصره، و ليبلغ الصفة نظره، ينج من عطب، و يخلص من نشب، فإن التفكر حيوة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات، فعليكم بحسن التخلص، و قلة التربص. أقول: و رواه العياشي في تفسيره إلى قوله: فليجل جال. و في الكافي، و تفسير العياشي، أيضا عن الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): القرآن هدى من الضلالة، و تبيان من العمى، و استقالة من العثرة، و نور من الظلمة، و ضياء من الأحداث، و عصمة من الهلكة، و رشد من الغواية، و بيان من الفتن، و بلاغ من الدنيا إلى الآخرة، و فيه كمال دينكم، و ما عدل أحد من القرآن إلا إلى النار. أقول: و الروايات في هذا المساق كثيرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و الأئمة من أهل بيته (عليهم السلام). يتبع... |
||