الميزان في تفسير القرآن |
سورة القصص |
43 - 56 |
تابع |
||
قوله تعالى: «و إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه و قالوا لنا أعمالنا و لكم أعمالكم» إلخ، المراد باللغو لغو الكلام بدليل تعلقه بالسمع، و المراد سقط القول الذي لا ينبغي الاشتغال به من هذر أو سب و كل ما فيه خشونة، و لذا لما سمعوه أعرضوا عنه و لم يقابلوه بمثله و قالوا: لنا أعمالنا و لكم أعمالكم و هو متاركة، و قوله: «سلام عليكم» أي أمان منا لكم، و هو أيضا متاركة و توديع تكرما كما قال تعالى: «و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما». و قوله: «لا نبتغي الجاهلين» أي لا نطلبهم بمعاشرة و مجالسة، و فيه تأكيد لما تقدمه، و هو حكاية عن لسان حالهم إذ لو تلفظوا به لكان من مقابلة السيىء بالسيىء. قوله تعالى: «إنك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء و هو أعلم بالمهتدين» المراد بالهداية الإيصال إلى المطلوب و مرجعه إلى إفاضة الإيمان على القلب و معلوم أنه من شأنه تعالى لا يشاركه فيه أحد، و ليس المراد بها إراءة الطريق فإنه من وظيفة الرسول لا معنى لنفيه عنه، و المراد بالاهتداء قبول الهداية. لما بين في الآيات السابقة حرمان المشركين و هم قوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من نعمة الهداية و ضلالهم باتباع الهوى و استكبارهم عن الحق النازل عليهم و إيمان أهل الكتاب به و اعترافهم بالحق ختم القول في هذا الفصل من الكلام بأن أمر الهداية إلى الله لا إليك يهدي هؤلاء و هم من غير قومك الذين تدعوهم و لا يهدي هؤلاء و هم قومك الذين تحب اهتداءهم و هو أعلم بالمهتدين. بحث روائي في الدر المنثور، أخرج البزار و ابن المنذر و الحاكم و صححه و ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما أهلك الله قوما و لا قرنا و لا أمة و لا أهل قرية بعذاب من السماء منذ أنزل التوراة على وجه الأرض غير القرية التي مسخت قردة. أ لم تر إلى قوله تعالى: «و لقد آتينا موسى الكتاب - من بعد ما أهلكنا القرون الأولى»؟ أقول: و في دلالة الآية على الإهلاك بخصوص العذاب السماوي ثم انقطاعه بنزول التوراة خفاء. و فيه،: في قوله تعالى: «و ما كنت بجانب الطور إذ نادينا» الآية،: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لما قرب الله موسى إلى طور سيناء نجيا قال: أي رب هل أحد أكرم عليك مني؟ قربتني نجيا و كلمتني تكليما. قال: نعم، محمد أكرم علي منك. قال: فإن كان محمد أكرم عليك مني فهل أمة محمد أكرم من بني إسرائيل؟ فلقت لهم البحر و أنجيتهم من فرعون و عمله و أطعمتهم المن و السلوى. قال: نعم، أمة محمد أكرم علي من بني إسرائيل. قال: إلهي أرنيهم. قال: إنك لن تراهم و إن شئت أسمعتك صوتهم. قال: نعم إلهي. فنادى ربنا أمة محمد: أجيبوا ربكم، فأجابوا و هم في أصلاب آبائهم و أرحام أمهاتهم إلى يوم القيامة فقالوا: لبيك أنت ربنا حقا و نحن عبيدك حقا. قال: صدقتم و أنا ربك و أنتم عبيدي حقا قد غفرت لكم قبل أن تدعوني و أعطيتكم قبل أن تسألوني فمن لقيني منكم بشهادة أن لا إله إلا الله دخل الجنة. قال ابن عباس: فلما بعث الله محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد أن يمن عليه بما أعطاه و بما أعطى أمته فقال: يا محمد «و ما كنت بجانب الطور إذ نادينا». أقول: و رواه فيه أيضا بطرق أخرى عن غيره، و روى هذا المعنى أيضا الصدوق في العيون، عن الرضا (عليه السلام) لكن حمل الآية على هذا المعنى يوجب اختلال السياق و فساد ارتباط الجمل المتقدمة و المتأخرة بعضها ببعض. و في البصائر، بإسناده عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن (عليه السلام): في قول الله عز و جل: «و من أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله» يعني من اتخذ دينه هواه بغير هدى من أئمة الهدى. أقول: و روي مثله بإسناده عن المعلى عن أبي عبد الله (عليه السلام) و هو من الجري أو من البطن. و في المجمع،: في قوله تعالى: «الذين آتيناهم الكتاب» الآيات، نزل قوله: «الذين آتيناهم الكتاب» و ما بعده في عبد الله بن سلام و تميم الداري و الجارود و العبدي و سلمان الفارسي فإنهم لما أسلموا نزلت فيهم الآيات. عن قتادة. و قيل: نزلت في أربعين رجلا من أهل الإنجيل كانوا مسلمين بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل مبعثه اثنان و ثلاثون من الحبشة أقبلوا مع جعفر بن أبي طالب وقت قدومه و ثمانية قدموا من الشام منهم بحيراء و أبرهة و الأشرف و أيمن و إدريس و نافع و تميم. أقول: و روي غير ذلك. و فيه،: في معنى قوله تعالى: «و يدرءون بالحسنة السيئة» و قيل: يدفعون بالحلم جهل الجاهل. عن يحيى بن سلام، و معناه يدفعون بالمدارأة مع الناس أذاهم عن أنفسهم: و روي مثل ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام). و في الدر المنثور، أخرج عبد بن حميد و مسلم و الترمذي و ابن أبي حاتم و ابن مردويه و البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال: لما حضرت وفاة أبي طالب أتاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا عماه قل: لا إله إلا الله أشهد لك بها عند الله يوم القيامة، فقال: لو لا أن يعيرني قريش يقولون ما حمله عليها إلا جزعه من الموت لأقررت بها عليك فأنزل الله عليه: «إنك لا تهدي من أحببت - و لكن الله يهدي من يشاء و هو أعلم بالمهتدين» أقول: و روي ما في معناه عن ابن عمر و ابن المسيب و غيرهما، و روايات أئمة أهل البيت (عليهم السلام) مستفيضة على إيمانه و المنقول من أشعار مشحون بالإقرار على صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و حقية دينه، و هو الذي آوى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صغيرا و حماه بعد البعثة و قبل الهجرة فقد كان أثر مجاهدته وحده في حفظ نفسه الشريفة في العشر سنين قبل الهجرة يعدل أثر مجاهدة المهاجرين و الأنصار بأجمعهم في العشر سنين بعد الهجرة. |
||