الميزان في تفسير القرآن

سورة النمل

15 - 44

تابع
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (24) أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُوْلُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)

و قيل: الطرف تحريك الأجفان و فتحها للنظر، و ارتداده هو انضمامها و لكونه أمرا طبيعيا غير منوط بالقصد أوثر الارتداد على الرد فقيل: قبل أن يرتد إليك طرفك و لم يقل: قبل أن يرد.

هذا.

و قد أخطأ فالطرف كالتنفس من أفعال الإنسان الاختيارية غير أن الذي يبعث إليه هو الطبيعة كما في التنفس و لذلك لا يحتاج في صدوره إلى ترو سابق كما يحتاج إليه في أمثال الأكل و الشرب، فالفعل الاختياري ما يرتبط إلى إرادة الإنسان و هو أعم مما يسبقه التروي، و الذي أوقع هذا القائل فيما وقع ظنه التساوي بين الفعل الصادر عن اختيار و الصادر عن ترو، و لعل النكتة في إيثار الارتداد على الرد هي أن الفعل لعدم توقفه على التروي كأنه يقع بنفسه لا عن مشية من اللاحظ.

و الخطاب في قوله: «أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك» لسليمان (عليه السلام) فهو الذي يريد الإتيان به إليه و هو الذي يراد الإتيان به إليه.

و قيل: الخطاب للعفريت القائل: أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك و المراد بالذي عنده علم من الكتاب عند هذا القائل هو سليمان، و إنما قاله له إظهارا لفضل النبوة و أن الذي أقدره الله عليه بتعليمه علما من الكتاب أعظم مما يتبجح به العفريت من القدرة، فالمعنى: قال سليمان للعفريت لما قال ما قال: أنا آتيك بالعرش قبل ارتداد طرفك.

و قد أصر في التفسير الكبير، على هذا القول و أورد لتأييده وجوها و هي وجوه رديئة و أصل القول لا يلائم السياق كما أومأنا إليه.

قوله تعالى: «فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي» إلى آخر الآية، أي لما رأى سليمان العرش مستقرا عنده قال هذا، أي حضور العرش و استقراره عندي في أقل من طرفة العين من فضل ربي من غير استحقاق مني ليبلوني أي يمتحنني أ أشكر نعمته أم أكفر و من شكر فإنما يشكر لنفسه أي يعود نفعه إليه لا إلى ربي و من كفر فلم يشكر فإن ربي غني كريم - و في ذيل الكلام تأكيد لما في صدره من حديث الفضل -.

و قيل: المشار إليه بقوله «هذا» هو التمكن من إحضاره بالواسطة أو بالذات.

و فيه أن ظاهر قوله: «فلما رآه مستقرا عنده قال» إلخ، إن هذا الثناء مرتبط بحال الرؤية و الذي في حال الرؤية هو حضور العرش عنده دون التمكن من الإحضار الذي كان متحققا منذ زمان.

و في الكلام حذف و إيجاز، و التقدير فأذن له سليمان في الإتيان به كذلك فأتى به كما قال: «فلما رآه مستقرا عنده» و في حذف ما حذف دلالة بالغة على سرعة العمل كأنه لم يكن بين دعواه الإتيان به كذلك و بين رؤيته مستقرا عنده فصل أصلا.

قوله تعالى: «قال نكروا لها عرشها ننظر أ تهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون قال في المفردات:، تنكير الشيء من حيث المعنى جعله بحيث لا يعرف، قال تعالى: «قال نكروا لها عرشها» و تعريفه جعله بحيث يعرف.

انتهى.

و السياق يدل على أن سليمان (عليه السلام) إنما قاله حينما قصدته ملكة سبإ و ملؤها لما دخلوا عليه، و إنما أراد بذلك اختبار عقلها كما أنه أراد بأصل الإتيان به إظهار آية باهرة من آيات نبوته لها، و لذا أمر بتنكير العرش ثم رتب عليه قوله: «ننظر أ تهتدي» إلخ، و المعنى ظاهر.

قوله تعالى: «فلما جاءت قيل أ هكذا عرشك قالت كأنه هو و أوتينا العلم من قبلها و كنا مسلمين» أي فلما جاءت الملكة سليمان (عليه السلام) قيل له من جانب سليمان: «أ هكذا عرشك» و هو كلمة اختبار.

و لم يقل: أ هذا عرشك بل زيد في التنكير فقيل: أ هكذا عرشك؟ فاستفهم عن مشابهة عرشها لهذا العرش المشار إليه في هيئته و صفاته، و في نفس هذه الجملة نوع من التنكير.

و قوله: «قالت كأنه هو» المراد به أنه هو و إنما عبرت بلفظ التشبيه تحرزا من الطيش و المبادرة إلى التصديق من غير تثبت، و يكنى عن الاعتقادات الابتدائية التي لم يتثبت عليها غالبا بالتشبيه.

و قوله: «و أوتينا العلم من قبلها و كنا مسلمين» ضمير «قبلها» لهذه الآية أي الإتيان بالعرش أو لهذه الحالة أي رؤيتها له بعد ما جاءت، و ظاهر السياق أنها تتمة

كلام الملكة فهي لما رأت العرش و سألت عن أمره أحست أن ذلك منهم تلويح إلى ما آتى الله سليمان من القدرة الخارقة للعادة فأجابت بقولها: «و أوتينا العلم من قبلها» إلخ، أي لا حاجة إلى هذا التلويح و التذكير فقد علمنا بقدرته قبل هذه الآية أو هذه الحالة و كنا مسلمين لسليمان طائعين له.

و قيل: قوله: «و أوتينا العلم» إلخ، من كلام سليمان، و قيل: من كلام قوم سليمان، و قيل من كلام الملكة، لكن المعنى و أوتينا العلم بإتيان العرش قبل هذه الحال - و هي جميعا وجوه رديئة -.

قوله تعالى: «و صدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين» الصد: المنع و الصرف، و متعلق الصد الإسلام لله و هو الذي ستشهد به حين تؤمر بدخول الصرح فتقول: أسلمت مع سليمان لله رب العالمين، و أما قولها في الآية السابقة: «و كنا مسلمين» فهو إسلامها و انقيادها لسليمان (عليه السلام).

هذا ما يعطيه سياق الآيات و للقوم وجوه أخر في معنى الآية أضربنا عنها.

و قوله: «إنها كانت من قوم كافرين» في مقام التعليل للصد، و المعنى: و منعها عن الإسلام لله ما كانت تعبد من دون الله و هي الشمس على ما تقدم في نبإ الهدهد و السبب فيه أنها كانت من قوم كافرين فاتبعتهم في كفرهم.

قوله تعالى: «قيل لها ادخلي الصرح» إلى آخر الآية، الصرح هو القصر و كل بناء مشرف و الصرح الموضع المنبسط المنكشف من غير سقف، و اللجة المعظم من الماء و الممرد اسم مفعول من التمريد و هو التمليس، و القوارير الزجاج.

و قوله: «قيل لها ادخلي الصرح» كأن القائل بعض خدم سليمان مع حضور من سليمان ممن كان يهديها إلى الدخول عليه على ما هو الدأب في وفود الملوك و العظماء على أمثالهم.

و قوله: «فلما رأته حسبته لجة و كشفت عن ساقيها» أي لما رأت الصرح ظنت أنه لجة لما كان عليه الزجاج من الصفاء كالماء و كشفت عن ساقيها بجمع ثيابها لئلا تبتل بالماء أذيالها.

و قوله: «قال إنه صرح ممرد من قوارير» القائل هو سليمان نبهها أنه ليس بلجة

بل صرح مملس من زجاج فلما رأت ما رأت من عظمة ملك سليمان و قد كانت رأت سابقا ما رأت من أمر الهدهد و رد الهدية و الإتيان بعرشها لم تشك أن ذلك من آيات نبوته من غير أن يؤتى بحزم أو تدبير و قالت عند ذلك: رب إني ظلمت نفسي إلخ.

و قوله: «و قالت رب إني ظلمت نفسي و أسلمت مع سليمان لله رب العالمين» استغاثت أولا بربها بالاعتراف بالظلم إذ لم تعبد الله من بدء أو من حين رأت هذه الآيات ثم شهدت بالإسلام لله مع سليمان.

و في قوله: «و أسلمت مع سليمان لله» التفات بالنسبة إليه تعالى من الخطاب إلى الغيبة و وجهه الانتقال من إجمال الإيمان بالله إذ قالت: رب إني ظلمت نفسي» إلى التوحيد الصريح فإنها تشهد أن إسلامها لله مع سليمان فهو على نهج إسلام سليمان و هو التوحيد ثم تؤكد التصريح بتوصيفه تعالى برب العالمين فلا رب غيره تعالى لشيء من العالمين و هو توحيد الربوبية المستلزم لتوحيد العبادة الذي لا يقول به مشرك.

كلام في قصة سليمان (عليه السلام)

1 - ما ورد من قصصه في القرآن:

لم يرد من قصصه (عليه السلام) في القرآن الكريم إلا نبذة يسيرة غير أن التدبر فيها يهدي إلى عامة قصصه و مظاهر شخصيته الشريفة.

منها: وراثته لأبيه داود قال تعالى: «و وهبنا لداود سليمان»: (عليهما السلام): 30، و قال «و ورث سليمان داود»: النمل: 16.

و منها: إيتاؤه الملك العظيم و تسخير الجن و الطير و الريح له و تعليمه منطق الطير و قد تكرر ذكر هذه النعم في كلامه تعالى كما في سورة البقرة الآية 102 و الأنبياء الآية 81، و النمل الآية 16 - 18، و سبإ الآية 12 - 13 و ص الآية 35 - 39.

و منها: الإشارة إلى قصة إلقاء جسد على كرسيه كما في سورة ص الآية 33.

و منها: الإشارة إلى عرض الصافنات الجياد عليه كما في سورة ص الآية 31 - 33.

و منها: الإشارة إلى تفهيمه الحكم في الغنم التي نفشت في الحرث كما في سورة الأنبياء الآية 78 - 79.

و منها: الإشارة إلى حديث النملة كما في سورة النمل الآية 18 - 19.

و منها: قصة الهدهد و ما يتبعها من قصته (عليه السلام) مع ملكة سبإ سورة النمل الآية 20 - 44.

و منها: الإشارة إلى كيفية موته (عليه السلام) كما في سورة سبإ الآية 14.

و قد أوردنا ما يخص بكل من هذه القصص من الكلام في ذيل الآيات المشيرة إليها الموضوعة في هذا الكتاب.

2 - الثناء عليه في القرآن:

ورد اسمه (عليه السلام) في بضعة عشر موضعا من كلامه تعالى و قد أكثر الثناء عليه فسماه عبدا أوابا قال تعالى: «نعم العبد إنه أواب»: ص: 30، و وصفه بالعلم و الحكم قال تعالى: «ففهمناها سليمان و كلا آتينا حكما و علما»: الأنبياء: 79 «و قال و لقد آتينا داود و سليمان علما»: النمل: 15 و قال: «و قال يا أيها الناس علمنا منطق الطير»: النمل: 16، و عده من النبيين المهديين قال تعالى: «و أيوب و يونس و هارون و سليمان»: النساء: 163، و قال: «و نوحا هدينا من قبل و من ذريته داود و سليمان»: الأنعام: 84.

3 - ذكره (عليه السلام)

في العهد العتيق: وقعت قصته في كتاب الملوك الأول و قد أطيل فيه في حشمته و جلالة أمره و سعة ملكه و وفور ثروته و بلوغ حكمته غير أنه لم يذكر فيه شيء من قصصه المشار إليها في القرآن إلا ما ذكر أن ملكة سبإ لما سمعت خبر سليمان و بناءه و بيت الرب بأورشليم و ما أوتيه من الحكمة أتت إليه و معها هدايا كثيرة فلاقته و سألته عن مسائل تمتحنه بها فأجاب عنها ثم رجعت 1.

و قد أساء العهد العتيق القول فيه (عليه السلام) فذكر 2 أنه (عليه السلام) انحرف في آخر عمره عن عبادة الله إلى عبادة الأصنام فسجد لأوثان كانت تعبدها بعض أزواجه.

و ذكر أن والدته كانت زوج أوريا الحتي فعشقها داود (عليه السلام) ففجر بها فحبلت منه فاحتال في قتل زوجها أوريا حتى قتل في بعض الحروب فضمها إلى أزواجه فحبلت منه ثانيا و ولدت له سليمان.

و القرآن الكريم ينزه ساحته (عليه السلام) عن أول الرميتين بما ينزه به ساحة جميع الأنبياء بالنص على هدايتهم و عصمتهم و قال فيه خاصة: «و ما كفر سليمان»: البقرة: 102.

و عن الثانية بما يحكيه من دعائه (عليه السلام) لما سمع قول النملة: «رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي و على والدي»: النمل: 19، فقد بينا في تفسيره أن فيه دلالة على أن والدته كانت من أهل الصراط المستقيم الذين أنعم الله عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين.

4 - الروايات الواردة في قصصه (عليه السلام)

: الأخبار المروية في قصصه و خاصة في قصة الهدهد و ما يتبعها من أخباره مع ملكة سبإ يتضمن أكثرها أمورا غريبة قلما يوجد نظائرها في الأساطير الخرافية يأباها العقل السليم و يكذبها التاريخ القطعي و أكثرها مبالغة ما روي عن أمثال كعب و وهب.

و قد بلغوا من المبالغة أن ما رووا أنه (عليه السلام) ملك جميع الأرض، و كان ملكه سبعمائة سنة، و أن جميع الإنس و الجن و الوحش و الطير كانوا جنوده، و أنه كان يوضع في مجلسه حول عرشه ستمائة ألف كرسي يجلس عليها ألوف من النبيين و مئات الألوف من أمراء الإنس و الجن.

و أن ملكة سبإ كانت أمها من الجن، و كانت قدمها كحافر الحمارة و كانت تستر قدميها عن أعين النظار حتى كشفت عن ساقيها حينما أرادت دخول الصرح فبان أمرها، و قد بلغ من شوكتها أنه كان تحت يدها أربعمائة ملك كل ملك على كورة تحت يد كل ملك أربعمائة ألف مقاتل و لها ثلاثمائة وزير يدبرون ملكها و لها اثنا عشر ألف قائد تحت يد كل قائد اثنا عشر ألف مقاتل إلى غير ذلك من أعاجيب الأخبار التي لا يسعنا إلا أن نعدها من الإسرائيليات و نصفح عنها 1

بحث روائي

في الاحتجاج، روى عبد الله بن الحسن بإسناده عن آبائه (عليهم السلام): أنه لما أجمع أبو بكر على منع فاطمة (عليها السلام) فدك و بلغها ذلك جاءت إليه و قالت له: يا ابن أبي قحافة أ في كتاب الله أن ترث أباك و لا أرث أبي؟ لقد جئت شيئا فريا أ فعلى عمد تركتم كتاب الله و نبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول: و ورث سليمان داود.

الحديث.

و في تفسير القمي، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام): في قوله عز و جل: «فهم يوزعون» قال: يحبس أولهم على آخرهم.

و في الاحتجاج، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث قال: و الناظرة في بعض اللغة هي المنتظرة أ لم تسمع إلى قوله: «فناظرة بم يرجع المرسلون» و في البصائر، بإسناده عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن اسم الله الأعظم على ثلاث و سبعين حرفا و إنما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه و بين سرير بلقيس ثم تناول السرير بيده ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين، و عندنا نحن من الاسم اثنان و سبعون حرفا، و حرف عند الله استأثر به في علم الغيب عنده و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم:. أقول: و روي هذا المعنى أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام)، و رواه في الكافي، عن جابر عن أبي جعفر و عن النوفلي عن أبي الحسن صاحب العسكر (عليه السلام).

و قوله: «إن الاسم الأعظم كذا حرفا و كان عند آصف حرف تكلم به» لا ينافي ما قدمنا أن هذا الاسم ليس من قبيل الألفاظ فإن نفس هذا السياق يدل على أن المراد بالحرف غير الحرف اللفظي و التعبير به من جهة أن المعهود عند الناس من الاسم الاسم اللفظي المؤلف من الحروف الملفوظة.

و في المجمع،: في قوله تعالى: «قبل أن يرتد إليك طرفك» ذكر في ذلك وجوه إلى أن قال و الخامس أن الأرض طويت له: و هو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام).

أقول: و ما رواه من الطي لا يغاير ما تقدمت روايته من الخسف.

و الذي نقله من الوجوه الأخر خمسة أحدها: أن الملائكة حملته إليه.

الثاني: أن الريح حملته.

الثالث: أن الله خلق فيه حركات متوالية.

الرابع: أنه انخرق مكانه حيث هو هناك ثم نبع بين يدي سليمان.

الخامس: أن الله أعدمه في موضعه و أعاده في مجلس سليمان.

و هناك وجه آخر ذكره بعضهم و هو أن الوجود بتجدد الأمثال بإيجاده و قد أفاض الله الوجود لعرشها في سبإ ثم في الآن التالي عند سليمان.

و هذه الوجوه بين ممتنع كالخامس و بين ما لا دليل عليه كالباقي.

و فيه، و روى العياشي في تفسيره، بالإسناد قال: التقى موسى بن محمد بن علي بن موسى و يحيى بن أكثم فسأله. قال: فدخلت على أخي علي بن محمد (عليهما السلام) إذ دار بيني و بينه من المواعظ حتى انتهيت إلى طاعته فقلت له: جعلت فداك إن ابن أكثم سألني عن مسائل أفتيه فيها فضحك ثم قال: هل أفتيته فيها قلت: لا. قال: و لم؟ قلت: لم أعرفها قال: ما هي؟ قلت: قال: أخبرني عن سليمان أ كان محتاجا إلى علم آصف بن برخيا؟ ثم ذكرت المسائل الأخر: قال: اكتب يا أخي بسم الله الرحمن الرحيم سألت عن قول الله تعالى في كتابه: «قال الذي عنده علم من الكتاب» فهو آصف بن برخيا و لم يعجز سليمان عن معرفة ما عرف آصف لكنه أحب أن تعرف أمته من الجن و الإنس أنه الحجة من بعده و ذلك من علم سليمان أودعه آصف بأمر الله ففهمه الله ذلك لئلا يختلف في إمامته و دلالته كما فهم سليمان في حياة داود ليعرف إمامته و نبوته من بعده لتأكيد الحجة على الخلق:. أقول: و أورد الرواية في روح المعاني، عن المجمع ثم قال: و هو كما ترى انتهى و لا ترى لاعتراضه هذا وجها غير أنه رأى حديث الإمامة فيها فلم يعجبه.

و في نور الثقلين، عن الكافي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو إلى أن قال و خرجت ملكة سبإ فأسلمت مع سليمان (عليه السلام).

العودة إلى القائمة

التالي