الميزان في تفسير القرآن

سورة النور

11 - 26

تابع
إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ (12) لَوْلا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُولَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ (20) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (22) إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)

و لو كان حد القاذف مشروعا قبل حديث الإفك لم يكن هناك مجوز لتأخيره مدة معتدا بها و انتظار الوحي و لا نجا منه قاذف منهم، و لو كان مشروعا مع نزول آيات الإفك لأشير فيها إليه، و لا أقل باتصال الآيات بآية القذف، و العارف بأساليب الكلام لا يرتاب في أن قوله: «إن الذين جاءوا بالإفك» الآيات منقطعة عما قبلها.

و لو كان على من قذف أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حدان لأشير إلى ذلك في خلال آيات الإفك بما فيها من التشديد و اللعن و التهديد بالعذاب على القاذفين.

و يتأكد الإشكال على تقدير نزول آية القذف مع نزول آيات الإفك فإن لازمه أن يقع الابتلاء بحكم الحدين فينزل حكم الحد الواحد.

و في الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من قال في مؤمن ما رأته عيناه و سمعته أذناه فهو من الذين قال الله عز و جل: «إن الذين يحبون إلى قوله و الآخرة»:. أقول: و رواه القمي في تفسيره، عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام عنه (عليه السلام)

و الصدوق في الأمالي، بإسناده عن ابن أبي عمير عن محمد بن حمران عنه (عليه السلام)، و المفيد في الاختصاص، عنه (عليه السلام) مرسلا.

و فيه، بإسناده عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من أذاع فاحشة كان كمبتدئها.

و في المجمع،: قيل: إن قوله: «و لا يأتل أولوا الفضل منكم و السعة» الآية، نزلت في أبي بكر و مسطح بن أثاثة و كان ابن خالة أبي بكر، و كان من المهاجرين و من جملة البدريين و كان فقيرا، و كان أبو بكر يجري عليه و يقوم بنفقته فلما خاض في الإفك قطعها و حلف أن لا ينفعه بنفع أبدا فلما نزلت الآية عاد أبو بكر إلى ما كان، و قال: و الله إني لأحب أن يغفر الله لي، و الله لا أنزعها عنه أبدا: عن ابن عباس و عائشة و ابن زيد.

و فيه،: و قيل: نزلت في جماعة من الصحابة أقسموا على أن لا يتصدقوا على رجل تكلم بشيء من الإفك و لا يواسوهم: عن ابن عباس و غيره. أقول: و رواه في الدر المنثور، عن ابن جرير و ابن مردويه عن ابن عباس.

و في تفسير القمي، و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام): في قوله تعالى: «و لا يأتل أولوا الفضل منكم و السعة - أن يؤتوا أولي القربى» و هم قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «و المساكين و المهاجرين في سبيل الله - و ليعفوا و ليصفحوا» يقول يعفو بعضكم عن بعض، و يصفح بعضكم بعضا فإذا فعلتم كانت رحمة الله لكم، يقول الله عز و جل: «أ لا تحبون أن يغفر الله لكم و الله غفور رحيم».

و في الكافي، بإسناده عن محمد بن سالم عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: و نزل بالمدينة «و الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء - فاجلدوهم ثمانين جلدة و لا تقبلوا لهم شهادة أبدا - و أولئك هم الفاسقون - إلا الذين تابوا من بعد ذلك و أصلحوا - فإن الله غفور رحيم». فبرأه الله ما كان مقيما على الفرية من أن يسمى بالإيمان، قال الله عز و جل: «أ فمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون» و جعله من أولياء إبليس قال: «إلا

إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه» و جعله ملعونا فقال: «إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات - لعنوا في الدنيا و الآخرة و لهم عذاب عظيم، يوم تشهد عليهم ألسنتهم و أيديهم و أرجلهم - بما كانوا يعملون». و ليست تشهد الجوارح على مؤمن إنما تشهد على من حقت عليه كلمة العذاب فأما المؤمن فيعطى كتابه بيمينه، قال الله عز و جل: «فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم و لا يظلمون فتيلا» و في المجمع،: في قوله تعالى: «الخبيثات للخبيثين و الخبيثون للخبيثات - و الطيبات للطيبين و الطيبون للطيبات» الآية، قيل في معناه أقوال إلى أن قال الثالث الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال و الخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء عن أبي مسلم و الجبائي و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام). قالا: هي مثل قوله: «الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة» إلا أن أناسا هموا أن يتزوجوا منهن فنهاهم الله عن ذلك و كره ذلك لهم.

و في الخصال، عن عبد الله بن عمر و أبي هريرة قالا: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا طاب قلب المرء طاب جسده، و إذا خبث القلب خبث الجسد.

و في الإحتجاج، عن الحسن بن علي (عليهما السلام): في حديث له مع معاوية و أصحابه و قد نالوا من علي (عليه السلام): «الخبيثات للخبيثين و الخبيثون للخبيثات» هم و الله يا معاوية أنت و أصحابك هؤلاء و شيعتك «و الطيبات للطيبين و الطيبون للطيبات» إلى آخر الآية، هم علي بن أبي طالب و أصحابه و شيعته.

العودة إلى القائمة

التالي