الميزان في تفسير القرآن

سورة الأنبياء

34 - 47

تابع
وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36) خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (37) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (38) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَن ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنظَرُونَ (40) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون (41) قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ (43) بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاء وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44) قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ (45) وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46) وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)

و اعلم أن في هذه الآيات وجوها من الالتفات لم نتعرض لها لظهورها.

قوله تعالى: «قل إنما أنذركم بالوحي و لا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون» أي إن الذي أنذركم به وحي إلهي لا ريب فيه و إنما لا يؤثر فيكم أثره و هو الهداية لأن فيكم صمما لا تسمعون الإنذار فالنقص في ناحيتكم لا فيه.

قوله تعالى: «و لئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين» النفحة الوقعة من العذاب، و المراد أن الإنذار بآيات الذكر لا ينفعهم بل هؤلاء يحتاجون إلى نفحة من العذاب حتى يضطروا فيؤمنوا و يعترفوا بظلمهم.

قوله تعالى: «و نضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا» القسط العدل و هو عطف بيان للموازين أو صفة للموازين بتقدير مضاف و التقدير الموازين ذوات القسط، و قد تقدم الكلام في معنى الميزان المنصوب يوم القيامة في تفسير سورة الأعراف.

و قوله: «و إن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها» الضمير في «و إن كان» للعمل الموزون المدلول عليه بذكر الموازين أي و إن كان العمل الموزون مقدار حبة من خردل في ثقله أتينا بها و كفى بنا حاسبين و حبة الخردل يضرب بها المثل في دقتها و صغرها و حقارتها، و فيه إشارة إلى أن الوزن من الحساب.

بحث روائي

في الدر المنثور، أخرج ابن المنذر عن ابن جريح قال: لما نعى جبريل للنبي نفسه قال: يا رب فمن لأمتي؟ فنزلت: «و ما جعلنا لبشر من قبلك الخلد» الآية.

أقول: سياق الآيات و هو سياق العتاب لا يلائم ما ذكر.

على أن هذا السؤال لا يلائم موقع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، على أن النعي كان في آخر حياة النبي و السورة من أقدم السور المكية.

و فيه، أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: مر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على أبي سفيان و أبي جهل و هما يتحدثان فلما رآه أبو جهل ضحك و قال لأبي سفيان: هذا نبي بني عبد مناف فغضب أبو سفيان فقال: ما تنكرون ليكون لبني عبد مناف نبي؟ فسمعها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فرجع إلى أبي جهل فوقع به و خوفه و قال: ما أراك منتهيا حتى يصيبك ما أصاب عمك، و قال لأبي سفيان: أما إنك لم تقل ما قلت إلا حمية فنزلت هذه الآية «و إذا رآك الذين كفروا أن يتخذونك إلا هزوا» الآية.

أقول: هو كسابقه في عدم انطباق القصة على الآية ذاك الانطباق.

و في المجمع، روي عن أبي عبد الله (عليه السلام): أن أمير المؤمنين (عليه السلام) مرض فعاده إخوانه فقالوا: كيف نجدك يا أمير المؤمنين؟ قال: بشر. قالوا: ما هذا كلام مثلك قال: إن الله تعالى يقول: «و نبلوكم بالشر و الخير فتنة» فالخير الصحة و الغنى و الشر المرض و الفقر.

و فيه،: في قوله: «أ فلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها» و قيل: بموت العلماء و روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: نقصانها ذهاب عالمها.

أقول؟ و تقدم في تفسير سورة الأعراف كلام في معنى الحديث.

و في التوحيد، عن علي (عليه السلام): في حديث و قد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات و أما قوله تبارك و تعالى «و نضع الموازين القسط ليوم القيامة - فلا تظلم نفس شيئا» فهو ميزان العدل يؤخذ به الخلائق يوم القيامة يدين الله تبارك و تعالى الخلق بعضهم ببعض بالموازين.

و في المعاني، بإسناده إلى هشام قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل؟ «و نضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا» قال؟ هم الأنبياء و الأوصياء: أقول: و رواه في الكافي، بسند فيه رفع عنه (عليه السلام) و قد أوردنا روايات أخر في هذه المعاني في تفسير سورة الأعراف و تكلمنا فيها بما تيسر.

العودة إلى القائمة

التالي