الميزان في تفسير القرآن

سورة الفيل

1 - 5

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (5)

بيان

فيها إشارة إلى قصة أصحاب الفيل إذ قصدوا مكة لتخريب الكعبة المعظمة فأهلكهم الله بإرسال طير أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول، و هي من آيات الله الجلية التي لا سترة عليها، و قد أرخوا بها و ذكرها الجاهليون في أشعارهم، و السورة مكية.

قوله تعالى: «أ لم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل» المراد بالرؤية العلم الظاهر ظهور الحس، و الاستفهام إنكاري، و المعنى أ لم تعلم كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، و قد كانت الواقعة عام ولد فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

قوله تعالى: «أ لم يجعل كيدهم في تضليل» المراد بكيدهم سوء قصدهم بمكة و إرادتهم تخريب البيت الحرام، و التضليل و الإضلال واحد، و جعل كيدهم في تضليل جعل سعيهم ضالا لا يهتدى إلى الغاية المقصودة منه فقد ساروا لتخريب الكعبة و انتهى بهم إلى هلاك أنفسهم.

قوله تعالى: «و أرسل عليهم طيرا أبابيل» الأبابيل - كما قيل - جماعات في تفرقة زمرة زمرة، و المعنى و أرسل الله على أصحاب الفيل جماعات متفرقة من الطير و الآية و التي تتلوها عطف تفسير على قوله: «أ لم يجعل كيدهم في تضليل».

قوله تعالى: «ترميهم بحجارة من سجيل» أي ترمي أبابيل الطير أصحاب الفيل بحجارة من سجيل، و قد تقدم معنى السجيل في تفسير قصص قوم لوط.

قوله تعالى: «فجعلهم كعصف مأكول» العصف ورق الزرع و العصف المأكول ورق الزرع الذي أكل حبه أو قشر الحب الذي أكل لبه و المراد أنهم عادوا بعد وقوع السجيل عليهم أجسادا بلا أرواح أو أن الحجر بحرارته أحرق أجوافهم، و قيل: المراد ورق الزرع الذي وقع فيها الأكال و هو أن يأكله الدود فيفسده و فسرت الآية ببعض وجوه أخر لا يناسب الأدب القرآني.

بحث روائي

في المجمع،: أجمعت الرواة على أن ملك اليمن الذي قصد هدم الكعبة هو أبرهة بن الصباح الأشرم و قيل: إن كنيته أبو يكسوم و نقل عن الواقدي أنه جد النجاشي الذي كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). ثم ساق الكلام في قصة استيلائه على ملك اليمن إلى أن قال: ثم إنه بنى كعبة باليمن و جعل فيها قبابا من ذهب فأمر أهل مملكته بالحج إليها يضاهي بذلك البيت الحرام، و إن رجلا من بني كنانة خرج حتى قدم اليمن فنظر إليها ثم قعد فيها يعني لحاجة الإنسان فدخلها أبرهة فوجد تلك العذرة فيها فقال: من اجترأ علي بهذا؟ و نصرانيتي لأهدمن ذلك البيت حتى لا يحجه حاج أبدا و دعا بالفيل و أذن قومه بالخروج و من اتبعه من أهل اليمن، و كان أكثر من اتبعه منهم عك و الأشعرون و خثعم. قال: ثم خرج يسير حتى إذا كان ببعض طريقه بعث رجلا من بني سليم ليدعو الناس إلى حج بيته الذي بناه فتلقاه أيضا رجل من الحمس من بني كنانة فقتله فازداد بذلك حنقا و حث السير و الانطلاق. و طلب من أهل الطائف دليلا فبعثوا معه رجلا من هذيل يقال له نفيل فخرج بهم يهديهم حتى إذا كانوا بالمغمس نزلوه و هو من مكة على ستة أميال فبعثوا مقدماتهم إلى مكة فخرجت قريش عباديد في رءوس الجبال و قالوا: لا طاقة لنا بقتال هؤلاء و لم يبق بمكة غير عبد المطلب بن هاشم أقام على سقايته و غير شيبة بن عثمان بن عبد الدار أقام على حجابة البيت فجعل عبد المطلب يأخذ بعضادتي الباب ثم يقول: لا هم أن المرء يمنع رحله فامنع جلالك. لا يغلبوا بصليبهم و محالهم عدوا محالك. لا يدخلوا البلد الحرام إذا فأمر ما بدا لك. ثم إن مقدمات أبرهة أصابت نعما لقريش فأصابت فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم فلما بلغه ذلك خرج حتى أتى القوم، و كان حاجب أبرهة رجلا من الأشعرين و كان له بعبد المطلب معرفة فاستأذن له على الملك و قال له: أيها الملك جاءك سيد قريش الذي يطعم إنسها في الحي و وحشها في الجبل فقال له: ائذن له. و كان عبد المطلب رجلا جسيما جميلا فلما رآه أبو يكسوم أعظمه أن يجلسه تحته و كره أن يجلسه معه على سريره فنزل من سريره فجلس على الأرض و أجلس عبد المطلب معه ثم قال: ما حاجتك؟ قال: حاجتي مائتا بعير لي أصابتها مقدمتك فقال أبو يكسوم: و الله لقد رأيتك فأعجبتني ثم تكلمت فزهدت فيك فقال: و لم أيها الملك؟ قال: لأني جئت إلى بيت عزكم و منعتكم من العرب و فضلكم في الناس و شرفكم عليهم و دينكم الذي تعبدون فجئت لأكسره و أصيبت لك مائتا بعير فسألتك عن حاجتك فكلمتني في إبلك و لم تطلب إلي في بيتكم. فقال له عبد المطلب: أيها الملك أنا أكلمك في مالي و لهذا البيت رب هو يمنعه لست أنا منه في شيء فراع ذلك أبو يكسوم و أمر برد إبل عبد المطلب عليه ثم رجع و أمست ليلتهم تلك الليلة كالحة نجومها كأنها تكلمهم كلاما لاقترابها منهم فأحست نفوسهم بالعذاب. إلى أن قال: حتى إذا كان مع طلوع الشمس طلعت عليهم الطير معها الحجارة فجعلت ترميهم، و كل طائر في منقاره حجر و في رجليه حجران و إذا رمت بذلك مضت و طلعت أخرى فلا يقع حجر من حجارتهم تلك على بطن إلا خرقه و لا عظم إلا أوهاه و ثقبه، و ثاب أبو يكسوم راجعا قد أصابته بعض الحجارة فجعل كلما قدم أرضا انقطع له فيها إرب حتى إذا انتهى إلى اليمن لم يبق شيء إلا باده فلما قدمها تصدع صدره و انشق بطنه فهلك و لم يصب من الأشعرين و خثعم أحد، الحديث. أقول: و في الروايات اختلاف شديد في خصوصيات القصة من أراد الوقوف عليها فعليه بمطولات السير و التواريخ.

العودة إلى القائمة

النهاية